اقتصاد ومال

"خسارة إسرائيل" من منظور الاقتصاد السياسي

المُؤكّد أنّ إسرائيل ستعرف، في المدى القصير، منعطفًا سياسيًا يضعها على أعتاب انهيار مفاجئ بسبب حربها القذرة على غزّة. وقبل أن نقرأ سيناريوهات هذا الانهيار، لا بدّ من التنصيص على أنّ القوّة لها منطق طبيعي وسياسي قد ينقلب إلى ضدّها كلّما أصيبت بالعمى وجنحت إلى الهمجيّة على حدّ تعبير المؤرّخ بروديل.

إنّ العمى الذي ضرب إسرائيل وهي تصرّ على الإبادة الجماعية لأهل غزّة باستعمالها لأبشع الأسلحة المحظورة ضدّ المدنيين، تجلٍّ صارخ لانقلاب هذه القوّة الهمجيّة إلى ضدّها وإنذار بسقوط وشيك لإسرائيل تؤشّر عليه معطيات واضحة، من منظور الاقتصاد السياسي.

ترصد هذه المؤشّرات تبعات العدوان على غزّة مُجَسّدة في تآكل الاقتصاد الإسرائيلي وركوده. ومن ثمّة، تدهور مستويات النموّ وتراجعها، إذ المتوقّع أنه سيكلّف إسرائيل خسارة أوّلية تقدّر بحوالى ثماني مليارات دولار، وفق تقرير موقع "غلوبس"، وهي الأشنع منذ الاحتلال سنة 1948.

لقد ارتبكت حسابات إسرائيل في حربها على غزّة، باعتقادها أنّ قضاءها على "حماس" لن يتجاوز بعض أيّام كما صرّح وزيرها في الحرب، بعد أن تأكّد لها عدم توسّع رقعة المعارك بضمانات أمريكية.

الحرب على غزّة ستوقع الاقتصاد الإسرائيلي في نوعين من المخاطر: اجتماعية- سياسية وجيو-سياسية

لكن استطالة الحرب، بفعل شراسة المقاومة، أجبر إسرائيل على مراجعة قرار خفض الدعم المالي للجيش وحجم الإنفاق تقليصًا لعجز ميزانيتها. اقتضت هذه المراجعة تجميد المخطّط الإستراتيجي لأمنها القومي 2030، ورفع ميزانية الدفاع بنسبة أربع نقط من النّاتج القومي الخام لما تبقى من هذه السّنة وخلال عام 2024. هذا ما أوقع الاقتصاد الإسرائيلي في الارتباك وعدم اليقين. هنا أكّدت مديرة صندوق النّقد الدولي كريستالينا، أنّ الحرب على غزّة ستوقع الاقتصاد الإسرائيلي في نوعين من المخاطر: اجتماعية- سياسية وجيو-سياسية.

تتمثّل المخاطر الأولى في الطريقة المرتجلة لتدبير إسرائيل لما يسمى "اقتصاد الحرب"، إذ عمدت بارتباك إلى اقتصاد تنظيم القدرة الإنتاجية والتوزيعية بإجرائها تعديلات غير ناجعة على الإنتاج الاستهلاكي لاستيعاب احتياجات الإنتاج الدفاعي، كإغلاق شركات وقطاعات اقتصادية حيوية ونقل القوى العاملة من نطاق الإنتاج إلى ممارسة الجندية، في ظلّ سوق مالي بدأ بالتدهور كخسارة بورصة تل أبيب التّي تجاوزت 6,5 في المئة، إضافة إلى انكماش القطاع السياحي والملاحة الجوّية وتزايد نسبة البطالة وتطورات هروب الإسرائيليين المستوطنين من جنسيات أوروبية وأمريكية وهجرة الإستثمارات الأجنبية وتوقّف كثير من مرافقها. كلّ هذه العوامل ستكون بمثابة أحداث مدمّرة لإسرائيل اقتصاديًا وسياسيًا، يترتَب عنها انخفاض العرض وارتفاع الأسعار وتزايد الفوارق الاجتماعية، ومن ثمّة اختناق اجتماعي قد يكون مقدّمة لانفجار داخلي تغذّيه تلك الانقسامات السياسية الدّاخلية والمصالح المتضاربة غير المعلنة؛ وهذه فرضية باتت محتملة جدًا من طرف كثير من المراقبين السياسيين.

الاستهانة بالحرب على غزّة وما يترتّب عنها خطأ جسيم قد يورّط العالم في مستنقع سياسي واقتصادي لا مخرج منه

أمّا المخاطر الجيوسياسية، فتتمثّل في زيادة حالة الغموض الاقتصادي العالمي وآثارها الوخيمة على أسواق النّفط، خاصة إذا اتّسعت الحرب في الشرق الأوسط، مما يجعل من الحرب الروسية الأوكرانية والصراع بين الصين وأمريكا مجالًا لانفجار أزمة غير مسبوقة ترتبط بإمدادات الطّاقة. وفي حالة وقوعها ستندلع أزمة التضخّم لتلحق بنمو الاقتصاد العالمي أضرارًا بليغة يُقدّر تراجعه بنسبة ثلاث نقط. وهذا ما حذّر منه رئيس البنك الدّولي أجاي بانغا في افتتاح فعاليات مبادرة مستقبل الاستثمار، حيث شدّد على أنّ الاستهانة بالحرب على غزّة وما يترتّب عنها خطأ جسيم قد يورّط العالم في مستنقع سياسي واقتصادي لا مخرج منه. إشارة منه إلى أن لا توازن المواقف الأمريكية وبعض الدوّل الأوروبيّة تجاه هذه الحرب يعبّر عن اللامسوؤلية المُنْبِئَة بالخراب.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن