أظهرت الفصائل الجماهيرية المساندة لعدد من الفرق الكروية العربية، أو ما يُصطلح على تسميته بـ"الألتراس"، شعورها الوحدوي ورغبة الشعوب العربية في الانعتاق من الطغيان، وضرورة نهوض الأمة وتوحيد صفوف العرب وإعادة تصويب البوصلة نحو القدس.
وفي ملاعب كرة القدم بالمغرب ـ نموذجًا ـ رفعت الجماهير الأعلام الفلسطينية، وارتدت الكوفيات الفلسطينية، كما أن عددًا من شوارع مدينة الدار البيضاء التي احتضت مباراة في إطار "الدوري الأفريقي" تحَوّلت إلى ألوان علم فلسطين.
وردّدت جماهير مغربية في ملاعب الكرة أغنية "أرض الصمود"، نصرةً للفلسطينيين في مواجهة ما يتعرضون له من تقتيل وإبادة جماعية في قطاع غزة. وإذا كان جمهور "الوداد"، وتحديداً الفصيل المساند لهذا الفريق المغربي المعروف، قد ردّد بكل قوة أمام الملايين أغنية "أرض الصمود"، فإن الفصيل الكروي المساند لفريق "الرجاء البيضاوي" الشهير عبّر عن دعم فلسطين كأرض وهوية عربية، بإطلاق أغنية "رجاوي فلسطيني" عام 2019، للمطالبة بتحرير القدس الشريف.
فلسطين في الذاكرة الجمعية
ويقول في هذا الصدد الباحث في الشأن المغربي الدكتور محمد شقير، لمنصّة "عروبة 22"، إنّ "ملاعب كرة القدم تحوّلت إلى مجالات للتعبير السياسي، بموازاة مسيرات الشوارع والساحات العمومية التي تتطلّب تراخيص مسبقة من طرف السلطات الرسمية"، مضيفًا: "التعاطف مع القضية الفلسطينية من طرف "الألتراس" في ملاعب الدول العربية والأمريكية اللاتينية على العموم، و"ألتراس" الفرق المغربية على الخصوص، يُعتبر ظاهرة ملفتة نظرًا لعدة عوامل، الأول: خصوصية القضية الفلسطينية التي تميّزت بتجسيد ظلم طويل مورس على الشعب الفلسطيني من طرف جبروت آلة الاحتلال الإسرائيلي في حرب غير متكافئة".
والعامل الثاني، وفق شقير، هو "التدويل الإعلامي للقضية الفلسطينية بمظاهرها المأساوية والبشعة، متمثّلةً في تجريف المنازل وقصف المستشفيات وتقتيل الأطفال والنساء واعتقال الشباب"، أما العامل الثالث فيتمثّل في "ترسخ القضية الفلسطينية ضمن الذاكرة الجمعية لدى مختلف شرائح المجتمع المغربي، بخاصة لدى فئات الشباب".
ويضيف عاملًا رابعًا هو أن "هذه الألتراس تضمّ نخبًا كروية تتكوّن من مهندسين وكوادر يتمتعون بوعي سياسي عالي المستوى يجعلهم يستثمرون التجمعات الرياضية، سواءً كانت "ديربيات" محلية، أو مباريات إقليمية أو دولية، للتلويح بالأعلام الفلسطينية، أو رفع شعارات لدعم القضية الفلسطينية، والدفاع عن القدس".
وإزاء صور ومشاهد الحرب الدموية المتواصلة التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي على جميع مكوّنات الشعب الفلسطيني، سواء في غزّة أو الضفّة الغربية "يساهم اجتماع الحشود وهدير هتافاتهم بلا شك في تحريك المشاعر الجياشة لتضامن الجماهير مع القضية الفلسطينية، والتي تعتبر بالنسبة للمغاربة أولوية موازية لقضية الوحدة الترابية للمملكة".
الملاعب نبض الشارع
من جانبه يشدّد الخبير في السياسات الرياضية، الدكتور منصف اليازغي، على أنّ "ملاعب كرة القدم كانت دائمًا فضاءً للتعبير الجماهيري الذي يتجاوز حدود ما يُعتمد داخل الحكومة والبرلمان والأحزاب السياسية"، موضحًا لـ"عروبة 22"، أنّ "المواضيع التي تكون أحيانًا بمثابة "تابوهات" بالنسبة للقنوات التقليدية من قبيل البرلمان والأحزاب السياسية والمنظمات الأهلية، في إطار توازنات معينة يخشون التطرق إليها، تجد متسعًا لها في الملاعب الكروية".
واستطرد اليازغي بالإشارة إلى أنّ "ملعب كرة القدم تحوّل بشكل عام إلى الوسيلة والقناة الأكثر شرعية وشعبية، لأنه ينقل نبض الشارع وإرهاصات المجتمع بدون تحفظ، وينقل أيضًا إشكالات مجتمعية أخرى، بدون حسابات سياسية أو خشية من توازنات سياسية معينة"، لافتًا في هذا السياق إلى أنّ "القضية الفلسطينية لطالما كانت حاضرة في الملاعب المغربية، والعلم الفلسطيني كان يحضر دائمًا إلى جوار أعلام الفرق المغربية".
وخلص إلى التأكيد على كون "الجمهور الكروي هو العيّنة التي تمثل المجتمع، لأنه يضمّ المتعلّم والمثقّف والأمّي والصغير والكبير، والرجل والمرأة"، مشيرًا في هذا المجال إلى أنه "في مقابل صمت القنوات الرسمية استطاعت الملاعب أن تصدح برسائل تعكس حقيقة ما يشعر به المجتمع المغربي، باعتبار أن الملاعب هي الفضاء الأكثر استيعابًا لهذه الرسائل، والفضاء الأكثر ديمقراطيةً والأكثر قبولًا للرأي والأكثر تعبيرًا عن المواقف الشعبية التي تواجه صعوبة في التعبير عنها بشكل رسمي".
(خاص "عروبة 22")