ماذا لو قررت كل الدول العربية التي لها علاقات مع إسرائيل أن تعقد اجتماعا طارئا في أقرب وقت ممكن، وتبعث برسالة واضحة إلى إسرائيل مفادها: عليكم الاختيار ما بين استمرار العلاقات معنا أو وقف العدوان على غزة، والشروع في مفاوضات جادة لحل حقيقي ودائم وعادل للقضية الفلسطينية؟!
للموضوعية، فلست أنا صاحب هذه الفكرة السابقة، ولكن استمعت إليها من الصديق أحمد الصاوي رئيس تحرير جريدة «صوت الأزهر» خلال نقاش بيننا يوم الإثنين الماضي بحضور الصديق والكاتب الصحفي أحمد المسلماني وقد يسأل البعض: وهل هذه الفكرة عملية وقابلة للتطبيق؟!
ظني أنها فكرة جيدة وينبغي أن نطرحها للنقاش اليوم وغدا وفي كل وقت حتى نصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية. وقد يسأل البعض الآخر: وما مبررات هذا التفاؤل؟!
الإجابة أن الأمر لا يتعلق بالأشقاء في فلسطين فقط، ولكن بالأمن القومي والوطني لكل دولة عربية على حدة.
أعلم تماما أن عددا كبيرا من الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل لديها مشاكل متنوعة مع حركة حماس المنتمية لجماعة الإخوان، وأعلم أن الأمر وصل إلى تصنيف هذه الحركة إرهابية في بعض الدول العربية.
ما أقترحه ليس نسيان كل هذا الماضي بل التفكير بجدية في أن العدوان الإسرائيلي المستمر منذ ٧ أكتوبر الماضي لا يستهدف حماس أو الجهاد أو حتى كل فصائل المقاومة، بل يستهدف فعلا تصفية القضية الفلسطينية، وقتل أكبر عدد من الفلسطينيين، وترحيل ما سيبقى منهم إما إلى مصر أو الأردن أو دول عربية أخرى.
ثم إنه قد تبين للجميع الآن أن إسرائيل تمثل خطرا حقيقيا على كل بلدان المنطقة المعتدلة منها والمتشددة، وأن الأمر يتجاوز حماس بمراحل، وقد رأينا علامات على ذلك منها تصريح وزير التراث الإسرائيلي بإمكانية استخدام قنبلة نووية لمحو غزة من الوجود، أو التصريح الصريح لرئيس الأركان الإسرائيلي بأن مقاتلات بلاده قادرة على الوصول لكل دول المنطقة، وكنت أتمنى أن يجد ردا عربيا واضحا.
جوهر ما بدأت به أن تبعث الدول العربية التي أقامت علاقات مع إسرائيل برسالة تقول فيها لإسرائيل ما معناه: «لقد أقمنا معكم علاقات شاملة تأكيدا على نيتنا الصادقة في السلام والأمن والاستقرار، ولم نعتقد في أي لحظة من اللحظات أنكم ستستخدمون هذه العلاقات غطاء لإبادة الشعب الفلسطيني ودفن وتصفية قضيته إلى الأبد.
نحن نختلف مع حماس وبعض فصائل المقاومة على قضايا فرعية وحتى على قضايا كبيرة، لكن لا نختلف معهم على حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وبالتالي فحتى لو اختفت حماس والجهاد تماما، فذلك لا يعني موت القضية.
وتضيف الرسالة المقترحة: أيها الإسرائيليون: نريد منكم إجابة واضحة ومحددة.. إما أن تعلنوا بوضوح اعترافكم بحل الدولتين والسعي إلى تنفيذه فورا، وإما سنقطع العلاقات معكم فورا. نحن لا نريد حربا، ولا نريد توسع هذه الحرب حتى لا يستغلها المتطرفون ويشعلوا المنطقة بأسرها، لكن في نفس الوقت فإن استمرار عدوانكم وإبادتكم الجماعية يؤكد أنكم تسعون للهيمنة الكاملة على المنطقة، وهو ما نرفضه تماما، وسوف نتصدى له بكل ما نملك من إمكانيات».
مرة أخرى فإن فكرة هذه الرسالة العربية يفترض أنها مهمة بعد ظهور الوجه الحقيقي والسافر للعنجهية الإسرائيلية، وبعد مقاومة الفلسطينيين الباسلة، فقد ثبت للجميع أنه لا يمكن استمرار تجاهل القضية الفلسطينية.
ثبت لنا جميعا أنه حتى لو تمكنت إسرائيل من قتل كل المقاومين، فإن ذلك لن يصفي القضية، لأن تجربة الـ٧٥ عاما منذ عام ١٩٤٨ أكدت لنا أن المقاومة لا تقتصر على «فتح» سابقا، أو «حماس» حاليا، بل سوف يواصلها أي فلسطيني رأى وعانى من القمع والقهر والاحتلال والتدمير الإسرائيلي.
وإذا كانت المظاهرات الحاشدة في العديد من الدول الغربية ترفض العدوان الإسرائيلي، فهل تقبله الشعوب العربية؟!!
على الحكومات العربية أن تدرس بهدوء الوصول إلى موقف عربي موحد لمواجهة الخطط الإسرائيلية السافرة، لأنه إذا كان المقصود بها المقاومة اليوم، فإن الدور على بقية الدول غدا.
("الشروق") المصرية