أعلنت موسكو منذ اليوم الأول لعملية طوفان الأقصى بصوت واضح عالٍ عن موقفها من العملية، مما بدا واضحاً أن هناك مآرب كثيرة تتطلع إليها موسكو من وراء ذلك.
رد الفعل الأولي لموسكو تجاه «طوفان الأقصى» لم يكن مفاجئاً بصفة عامة. إذ جاء على نحو تقليدي وكان مفاده الدعوة إلى وقف إطلاق النار، وإدانة العنف في غزة دون إدانة محددة لطرف، وتغليب الحوار والديبلوماسية، مع التأكيد على مسألة حل الدولتين، أو تحديداً إقامة دولة فلسطينية كاملة عاصمتها القدس.
ولعل كان الجديد فقط في الرد الأولي هو تحميل واشنطن مسؤولية العنف في غزة والتدهور في القضية الفلسطينية بصفة عامة، وقد جاء ذلك على لسان معظم قادة موسكو وعلى رأسهم بوتين.
وهنا سعت موسكو إلى الالتفاف حول سياسة التوازن التقليدية المتبعة حيث تتمتع بعلاقات قوية بحماس وإسرائيل، عبر تحميل واشنطن المسؤولية وليس طرفاً من أطراف الصراع بعينه خاصة إسرائيل.
وتصاعد الموقف الروسي بشكل تدريجي تجاه العملية بصورة تميل نسبياً لصالح غزة.
وكان من أهم شواهد ذلك، تقديم روسيا لمسودة قرار في مجلس الأمن، تمت عرقلته من قبل الولايات المتحدة وفرنسا وإنكلترا واليابان، يدين فيه بشدة العمليات الإسرائيلية الوحشية ضد المدنيين في غزة، كما وصف القرار هذه العمليات بأعمال الإرهاب.
وفور خيبة الأمل الروسية من تمرير القرار في مجلس الأمن، عادت موسكو إلى اتباع سياسة متوازنة عبر الاتصال بحماس وإسرائيل، وتفعيل الجهد الديبلوماسي لا سيما الاتصال المكثف مع الدول العربية، مع تشديد لهجة تحميل المسؤولية والتواطؤ الأميركي-الأوروبي على المجازر الإسرائيلية في غزة والعنف في المنطقة بصفة عامة.
يتبدى من الموقف الروسي الواضح أمران أساسيان يمكن من خلالهما استخلاص معظم المآرب الروسية. وهما تحميل الولايات المتحدة المسؤولية التامة عن الحرب في غزة، والثاني الموقف المتوازن الأميل لصالح «حماس» أو غزة.
وبالتالي، فالاستفادة الأهم التي تسعى روسيا إلى تحقيقها من طوفان الأقصى، ذات صلة وثيقة بحربها في أوكرانيا.
فعبر تحميل واشنطن المسؤولية عن الحرب، تسعى موسكو إلى تخفيف الضغوط والانتقادات الدولية عليها الناجمة عن حربها في أوكرانيا، كذلك الكف عن إدانة موسكو على جرائم الحرب في أوكرانيا. بحسبان أن الولايات المتحدة تغض النظر عن جرائم إسرائيل في غزة.
وبالتالي، أيضاً إجبار الغرب على تقليص مساعداته ودعمه العسكري لأوكرانيا المساهم في تحقيق التوازن العسكري على أرض المعارك.
ويعد هذا الأمر من المكاسب الروسية الأساسية الناجمة عن طوفان الأقصى، حيث تبدل الدعم الغربي القوى بين ليلة وضحاها من أوكرانيا إلى إسرائيل.
وعلى نحو آخر، تسعى روسيا إلى تشكيل جبهة دولية داعمة لها لا سيما من الدول العربية والإسلامية، بعدما تراجع التعاطف والدعم الشعبي لروسيا بعد حرب أوكرانيا. علاوة أيضاً على المحافظة على علاقاتها الاقتصادية القوية مع الدول العربية، ومحاولة إرسال رسالة قوية أن الرهان على روسيا رهان صائب وذلك في ضوء التفاف العالم العربي والإسلامي نحو القوى الآسيوية الصاعدة وإدارة ظهره لواشنطن.
وموقف روسيا المتوازن أيضاً، يسعى إلى المحافظة على العلاقات مع إسرائيل، وتعد الأخيرة مفيدة لروسيا في أمور كثيرة من حيث العلاقات والتعاون الاقتصادي والتكنولوجي، كذلك قدرة إسرائيل في التأثير على القرار الأميركي تجاه روسيا.
وأخيراً، تسعى روسيا إلى استغلال طوفان الأقصى لإظهار تأثيرها ودورها العالمي الذي أصبح محل شك بعد زيادة وطأة الضغوط على موسكو جراء غزوها لأوكرانيا.
ملخص القول، يمكن اعتبار طوفان الأقصى عملية قد جاءت في وقتها المناسب لموسكو لإزاحة تحديات وضغوط قوية عليها تعاني منها منذ غزوها لأوكرانيا.
("الراي") الكويتية