الرسائل المباشرة التي حملها البيان الختامي لاجتماع القمة العربية الإسلامية الطارئة بالرياض كثيرة وواضحة وغاية في الأهمية، على الأقل كونها أعلنت موقفا عربيا وإسلاميا واحدا يدين العدوان الإسرائيلي ويرفض مخططات إسرائيل للنيل من الفلسطينيين عبر التهجير القسري أو الترحيل الجماعي أو النفي، ومن القضية الفلسطينية عبر محاولات تصفيتها ودفن حل الدولتين، و«دعم كل ما تتخذه مصر من خطوات لمواجهة تبعات العدوان الإسرائيلي الغاشم وإسناد جهودها لإدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكاف».
وبذلك تكون القمة قد أعلنت اللاءات العربية والإسلامية التي يجب عدم تجاوزها من المجتمع الدولي. ومع ذلك تبقى الرسالة غير المباشرة أكثر أهمية كونها في الحقيقة تحمل المغزى الأهم الذي يجب أن تتوقف عنده إسرائيل والدول الداعمة لها والمهتمة بإدماج إسرائيل في المنطقة كدولة طبيعية وليس دولة شاذة مفروضة بالقوة. فـ«اللاءات» التي تضمنها بيان/ قرار القمة تتعلق برفض ممارسات وعدوان إسرائيل وليست رفضا لإسرائيل نفسها على نحو ما كان الحال مثلا في قمة اللاءات الشهيرة بالخرطوم التي كان مغزاها ودافعها هو رفض وجود إسرائيل نفسها كدولة في المنطقة، حيث طرحت القمة لاءات ثلاثة هي «لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا مفاوضات مع إسرائيل».
وعبر نحو نصف قرن جرت تطورات كثيرة بدأت بانتصار حرب أكتوبر 1973 وما أدت إليه من استعادة الأراضي المصرية المحتلة ثم فتح الباب لإقرار السلام العادل والشامل في المنطقة، وصل العرب لتبني السلام خيارا استراتيجيا وتبني المبادرة العربية للسلام التي طرحتها السعودية عام 2002، بينما عملت إسرائيل خلال تلك العقود على الحفاظ على السلام مع مصر وسعت بشكل دؤوب لتوسيع ذلك السلام مع دول المنطقة بدأت بتوقيع معاهدة السلام مع الأردن 1994 ثم حديثا مع ما عرف باسم الاتفاقيات الإبراهيمية التي شملت الإمارات والبحرين والمغرب. وفي مقابل ذلك عرقلت إسرائيل مفاوضات السلام مع الفلسطينيين التي بدأت عام 1993 من خلال «اتفاقية أوسلو»، والتي كان قد تم الاتفاق فيها على أن يتم الإعلان عن قيام الدولة الفلسطينية بعد خمس سنوات.
وعبر عشرين عاما من التفاوض مع الفلسطينيين (توقفت المفاوضات خلال العشر سنوات الأخيرة تماما) لم يكتمل حلم الإعلان عن الدولة الفلسطينية، مقابل زيادة الاستيطان والتهويد ومحاولات قتل فكرة حل الدولتين والسعي لتكون إسرائيل دولة يهودية خالصة، وكثرت المواجهات الفلسطينية الإسرائيلية خاصة في قطاع غزة حيث شهد خلال عقد توقف المفاوضات 6 جولات من العدوان الإسرائيلي على القطاع. كما شهدت إسرائيل انجرافا غير مسبوق للرأي العام الإسرائيل نحو اليمين ثم اليمين المتطرف الذي يفسر وصول الحكومة المتطرفة الحالية إلى سدة الحكم، مع تراجع أو بالأحرى انهيار اليسار الإسرائيلي إلى درجة أن يصبح حزب العمل مهددا بعدم التمكن من دخول الكنيست حال إجراء انتخابات مقبلة، رغم كل ذلك التطرف الإسرائيلي ما زال العرب متمسكين بخيار السلام وحل الدولتين قناعة منهم بأن ذلك هو الحل الأمثل بل والوحيد لضمان الأمن والاستقرار في المنطقة، وهو الأمر الذي تبناه بيان القمة فى رسالة واضحة للإسرائيليين بأن الغضب العربي والإسلامي الحالي ينصرف للسياسات الإسرائيلية، وليس كما تصور الحكومة الإسرائيلية إلى رفض وجود إسرائيل ومحاولات إبادتها وكأن إسرائيل تتعرض لخطر وجودي وأن المعركة مع الفلسطينيين هي حرب وجود كما روج المتطرفون من الجانبين كثيرا لتلك الفكرة لإبقاء جذوة الحرب متقدة باستمرار. ولعل ذلك الموقف العربي والإسلامي الثابت هو أحد الأسباب الرئيسية التي حملت قيادات حماس إلى الإعلان عن تأييد هدف إقامة دولة فلسطينية مستقلة. بما يضرب في مقتل الذريعة الإسرائيلية أنه لا يوجد شريك فلسطيني جاهز للسلام.
الرسالة أو المغزى الثاني للقمة تأتي أيضا في إطار الإصرار العربي على السلام، وقد عبر عنها الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط في كلمته أمام القمة وتضمنها البيان الختامي أيضا. مفاد تلك الرسالة أنه إذا كان هناك من يرى صعوبة أو عدم جدوى استئناف المفاوضات على نحو ما جرى خلال العقود الثلاثة الماضية، فإن ذلك لا يعني ولا يجب أن يعني تخليا عن فكرة السلام وحل الدولتين، ولكن يمكن بث الدماء في عروق ذلك الحل مجددا عبر مؤتمر دولي للسلام لحماية المنطقة من الانفجار إذا ما اندلع صراع إقليمي في المنطقة خاصة في ظل الموقف العربي والإسلامي الذي عبرت عنه القمة بوضوح برفض المخططات الإسرائيلية والأفكار الغربية التي تطرح بشأن اليوم التالي في قطاع غزة والتي تهدف بالأساس لإتمام عملية سلخ قطاع غزة عن الضفة الغربية وبالتالي الإجهاز تماما على فكرة الدولة الفلسطينية.
ومن ثم جاءت الدعوة إلى المؤتمر لتؤكد أن هدفه هو إطلاق عملية سلام ذات مصداقية وفق مقررات الشرعية الدولية وإطار زمني محدد وبضمانات دولية تفضي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وصولا إلى تنفيذ حل الدولتين. إنها رسالة سلام من قرابة 2 مليار عربي ومسلم بينما الآذان الإسرائيلية والأمريكية ما زالت ترفض الاستماع إليها، بينما طول أمد الاعتداءات وقسوتها غير المسبوقة كفيلان ـ كما أكد الرئيس السيسي في كلمته بتغيير المعادلة وحساباتها بين ليلة وضحاها.
("الأهرام") المصرية