منذ بدء العدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني في حرب الإبادة المدعومة من الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، تقوم بعض الأطراف الإقليمية من خلال أذرعها الإعلامية بالهجوم على مصر رغم ما تقوم به من جهد كبير وتحذيراتها المبكرة مما هو قادم، وخطورة تأثير الحرب على غزة من عدم استقرار الأمن والسلم الدوليين، وربما اتساع نطاق الحرب في المنطقة.
فقد حاولت هذه الأطراف ـ كما فعلت عام 2008 ـ أن تحمل مصر العبء الأساسي، وركزت الأحاديث الإعلامية ووسائل التواصل الاجتماعي على ما ستقوم به مصر، ووصل الأمر، إلى أن قام بعض المصريين بتغذية هذه الحملات السخيفة لمحاولة الزج بقواتنا المسلحة للدخول في حرب وتحدثوا عن معبر رفح بسوء نيات رغم أن المعبر لم يغلق من الجانب المصري ولا ساعة واحدة، وكان من المهم طوال الفترة الماضية تعرية المواقف وأصحاب الشعارات، وعديمي التفكير من السطحيين والحنجوريين، الذين لا يقدرون معنى كلمة «حرب» وتأثيراتها على مقدرات الدول والشعوب، ومحاولة سحب مصر لهذه الحرب، وتحقيق أهدافهم التي فشلوا فيها عام 2011.
الشيء المؤكد أن مصر الداعية للسلام دوما، لا تعتدي على أحد لكنها لا تسمح بأي تهديد لأمنها القومي، ولن تسمح بفرض الأمر الواقع عليها، بإجبار الشعب الفلسطيني في غزة على تهجيرهم قسريا إلى سيناء، وهذه مسؤوليات القوات المسلحة في الحفاظ على مصر وحدودها وسلامة مواطنيها، وعدم المساس أو حل مشكلات أحد على حساب أراضينا، وتأتى مصالح مصر فوق كل الاعتبارات، ومنذ 1948 وحتى اليوم تحتل القضية الفلسطينية الأولوية في تحرك الدولة المصرية، ومنذ 7 أكتوبر مع العدوان الصهيوني والإبادة للشعب الفلسطيني، لم يتوقف الرئيس عبدالفتاح السيسي عن الضغط مع كل العالم لإجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار، والدفع نحو إدخال المساعدات الإنسانية والإغاثة من منفذ رفح المصري للأراضي الفلسطينية، ونقل المئات من الجرحى والأطفال الخدج لعلاجهم في المستشفيات المصرية، وانتقل الدكتور خالد عبدالغفار وزير الصحة إلى معبر رفح، ليباشر بنفسه عمليات دخول المصابين والأطفال من غزة إلى الأراضي المصرية، مع وضع الإمكانات الطبية الكبيرة والتجهيزات والمستشفيات في حالة تأهب قصوى.
ما تبذله مصر بكل مؤسساتها كان واضحا للعالم كله الذي يثني على ذلك، ما عدا الحنجوريين والأذرع الإعلامية المناوئة التي تحاول أن تقلل من الجهد المصري الهائل، والمقدر دوليا وإقليميا وفلسطينيا إلا من ضعاف النفوس ممن يبثون سمومهم في المنطقة، وسيظل هؤلاء كارهين حتى لأنفسهم.
والرصد لما جرى منذ 7 أكتوبر يحدد لنا دور الولايات المتحدة الخطير إذ حركت أساطيلها، «حاملتي طائرات» فورد وأيزنهاور والغواصة النووية ـ مع عشرات القطع الحربية الأخرى، وأصبحت الولايات المتحدة تستخدم لغة التهديد والترهيب، أو ما يطلقون عليه الدبلوماسية العسكرية، لتعطي رسالة دعم هائلة لجيش الاحتلال الصهيوني لينفذ مخططه في عمليات الإبادة، والتي تتم بناء على ما تم التوافق عليه مع البيت الأبيض.
ويرفض الرئيس الأمريكى بايدن وقف إطلاق النار بصورة كاملة، رغم المجازر وجرائم الحرب والإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال على مدار الساعة في غزة. وصولا إلى تصفية كاملة للشعب الأعزل، ومجيء الولايات المتحدة بقوتها العسكرية الكبيرة هو إشارة للتعامل مع أي أطراف تحاول مساعدة المقاومة الفلسطينية، وأصبح ميزان القوى في مصلحة الكيان الصهيوني المدعوم أمريكيا وغربيا، ودفع ذلك كل الأطراف الإقليمية التي تحدثت في السابق عن دعم المقاومة الفلسطينية إلى التراجع خشية رد الفعل الأمريكي، ووضعت كل دولة مصالحها أولًا.
فقد انتهى عصر دخول الدول الحروب من أجل غيرها أو نيابة عن الآخرين في ظل ما يمر به العالم من تحديات، وقد يشهد العالم تشكيل نظام عالمي جديد عقب انتهاء العدوان الصهيوني على غزة، وسيكون على دول المنطقة والقوى الدولية الاستعداد لما هو قادم، وعلى الشعوب العربية والإسلامية، أن تتدارس وتستوعب حقيقة الولايات المتحدة وأوروبا ونظرتهما الحقيقية إلينا، بعيدًا عن العواطف والشعارات، فقد ظهرت الدول الغربية على حقيقتها بدعمها المطلق لإبادة الشعب الفلسطيني.
("الأهرام") المصرية