في تقييم أوّلي لمجريات الأيام الأولى من الهدنة الحالية، فإنّ "مسار التنفيذ كان طبيعيًا بإستثناء بعض الخروقات التي يتحمل المسؤولية عنها العدو الإسرائيلي، والتي كان من الممكن أن تقود إلى إنهاء الهدنة في يومها الثاني لولا تدخّل الوسطاء"، حسبما يؤكد الناطق باسم حركة "حماس" وليد كيلاني لـ"عروبة 22"، موضحًا أنّ "هذه الخروقات تتمثّل، بشكل أساسي، بعدم الإلتزام بمبدأ الأقدمية، فيما يتعلق بالأسيرات اللواتي كان من المفترض الإفراج عنهن في اليوم الأول، بالإضافة إلى عدم الإلتزام بعدد الشاحنات التي تنقل مواد غذائية، والتي كان من المفترض أن تدخل إلى شمال قطاع غزّة".
أما بالنسبة إلى إمكانية تمديد فترة الهدنة، فيشدد كيلاني على أنّ "الكرة في ملعب الفريقين المعنيّين"، مع تأكيده أنّ حركة "حماس" من جهتها ليست لديها مشكلة في الأمر "في حال الاتفاق على الشروط اللازمة التي من المفترض أن تتضمن أيضًا تبادلًا لعدد من الأسرى المدنيين من حملة الجنسيّتين"، ويرجّح في هذا الصدد أن يتمّ تمديد الهدنة "لأيام إضافية، خصوصًا أنّ الجانبين الأميركي والقطري أبديا رغبةً صريحةً في ذلك"، مشيرًا في الوقت عينه إلى "مجموعة من العوامل" التي من الممكن أن تدفع الجانب الإسرائيلي إلى الموافقة على التمديد، منها "الضغط الدولي، لا سيما من قبل الولايات المتحدة التي لم تعد قادرة على تحمّل تبعات سقوط المزيد من الدماء (أمام الرأي العام)، إلى جانب الضغط الإسرائيلي الداخلي، خصوصًا من قبل عوائل الأسرى الذين من المرجح أن ترتفع وتيرة ضغوطهم على الحكومة في الأيام المقبلة".
وعلى صعيد متصل، ترى مصادر متابعة، عبر "عروبة 22"، أنّ الذهاب إلى مجموعة من الهدن المتكررة "قد يكون المخرج المناسب للعدو الإسرائيلي في الوقت الراهن، بسبب عجزه عن تحقيق الأهداف التي كان قد أعلن عنها (اجتثاث حماس وتحرير المحتجزين بالقوّة)، ما دفعه إلى البدء بمسار تراجعي عن أهدافه تباعًا"، موضحةً أنّ "تل أبيب غير قادرة اليوم، بسبب التداعيات التي تركتها عملية "طوفان الأقصى" على واقعها الداخلي، على التراجع أكثر، نظرًا إلى أنّ ذلك سيعجّل في نهاية قياداتها السياسية والعسكرية التي ستجد نفسها أمام دعوات واسعة لمحاسبتها فور انتهاء الحرب".
وإذ تشدد على أنّ موضوع "الهدنة" فرض نفسه على الحكومة الإسرائيلية في ظلّ التحوّل الذي برز على مستوى الرأي العام الدولي، تلفت المصادر إلى أنّ "استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزّة خلّف تداعيات ضاغطة على مواقف بعض الحكومات الغربية التي كانت في الأيام الأولى من العدوان قد منحت إسرائيل "الضوء الأخضر" لتقوم بما تراه مناسبًا من أجل إستعادة هيبتها، وصولًا إلى "النقطة المفصلية" في تقرير حتمية الهدنة، والتي تكمن بأنّ الإدارة الأميركية بدأت تأخذ بعين الإعتبار التداعيات السلبية التي يتركها العدوان الإسرائيلي على شعبية الرئيس جو بايدن الذي سيكون في الأشهر المقبلة على موعد مع منافسة انتخابية رئاسية شرسة، مع العلم أن الفئات الناخبة المؤيّدة للقضية الفلسطينية كانت في الانتخابات الماضية قد صوّتت لصالح بايدن، في مواجهة منافسه الرئيس السابق دونالد ترامب".
وبناءً على ما تقدّم، تذهب المصادر إلى ترجيح الاتجاه نحو الاتفاق على "مجموعة من الهدن المتكرّرة في المرحلة المقبلة"، وهو ما بدأ يتظهّر عبر تصريحات إسرائيلية تؤكد الاستعداد لتمديد الهدنة مقابل إطلاق 10 محتجزين يوميًا من قطاع غزّة، لكنها تلفت إلى أنّ "التفاوض على الشروط سيكون أصعب" هذه المرّة، لا سيما بعد الإنتهاء من مرحلة إطلاق الأسرى مزدوجي الجنسية، وإصرار حركة "حماس" على ضرورة عدم إنهاء ملف الأسرى قبل الوصول إلى إتفاق شامل لوقف إطلاق النار، يتضمّن الإفراج عن كافة الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال وفكّ الحصار عن قطاع غزّة.
وفي هذا المجال، تفيد معلومات "عروبة 22" بأنّ من بين "النقاط الصعبة" المطروحة راهنًا على طاولة التفاوض وبدأ بالفعل البحث فيها من قبل الوسطاء، كيفية التعامل مع المحتجزين في القطاع الذين "يحملون جنسيّتين وهم في الوقت نفسه جنود في الجيش الإسرائيلي"، على اعتبار أنّ شروط التفاوض من أجل إطلاق سراحهم لن تكون هي نفسها التي اعتُمدت في الإفراج عن المدنيين من حَمَلة الجنسيّتين بموجب اتفاق الهدنة الأولى، فضلًا عن "النقطة المركزية الأصعب" في عملية التفاوض والتي تتمحور حول إطلاق الأسرى من الضباط والجنود الإسرائيليين، نظرًا إلى كون "حماس" تعتبر هذه النقطة هي "ورقتها الرابحة" في سبيل إنهاء العدوان وتحرير الأسرى الفلسطينيين وفكّ الحصار... ولذلك ستعمد إلى استخدام هذه الورقة لرفع سقف شروطها عاليًا في مواجهة الشروط المضادة الإسرائيلية.
(خاص "عروبة 22")