رغم تأكيد طهران أكثر من مرة أنّ اتفاق عودة العلاقات مع الرياض ليس له علاقة بملف الحرب في اليمن، إلا أنّ مشروع الاتفاق الذي أعدّته السعودية التي تدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وسلطنة عمان التي تحتفظ بعلاقة جيدة مع الحوثيين، كشف عن تأثيرات مباشرة لذلك الاتفاق باتجاه يساعد على التوصّل إلى صيغة لإنهاء الحرب في اليمن، وزاد من قوّة هذا التأثير تسريب الرياض مسودة اتفاق كانت تتوقع أن يتم القبول بها من الحوثيين عند زيارة السفير محمد آل جابر إلى صنعاء، وهو المشروع الذي ينصّ على تجديد الهدنة ووقف إطلاق النار والانخراط في مناقشة الحلّ السياسي.
الزيارة، وفق اثنين من كبار المسؤولين اليمنيين، كانت حصيلة لقاءات متعددة بين الجانب السعودي والحوثيين وعبر الوسطاء العمانيين، ومسودة الاتفاق كانت حصيلة تلك اللقاءات التي كانت متزامنة، والمحادثات السرّية التي جمعت الرياض وطهران في سبيل إنهاء التوتّر بين البلدين والتي توّجت بالاتفاق الذي رعته الصين.
تغييب الجانب الحكومي
يجزم المسؤولان اليمنيّان بأنّ الجانب الحكومي لم يكن على علم بتفاصيل تلك النقاشات، وأنهم أبلغوا من السفير السعودي لدى اليمن بتفاصيل المقترح السعودي العماني والذي ينصّ على وقف إطلاق نار لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد، وإنجاز حوار سياسي بين الأطراف اليمنية خلال فترة ثلاثة أشهر يتفقون خلالها على مضامين الفترة الانتقالية، ويحدّد المقترح الفترة الانتقالية بعامين يتم خلالها معالجة القضايا السياسية ودمج التشكيلات العسكرية والوصول إلى انتخابات عامة.
طالب الحوثيون السعودية بإعادة إعمار ما دمّرته الحرب وبنصيب من عائدات النفط والغاز
وبعكس ما كان السعوديون والعمانيين يأملون، أظهر الحوثيون تصلبًا عند مناقشة المقترح، حيث بدأوا بالمطالبة بصرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم بمن فيهم عشرات الآلاف من المدنيين والعسكريين الذين تمت إضافتهم إلى قوائم الموظفين عقب سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر (ايلول) عام 2014. في حين أنّ الاتفاقات السابقة التي رعتها الأمم المتحدة كانت تنصّ على اعتماد قوائم الموظفين المدنيين والعسكريين وفقًا لبيانات العام 2014. ولم يكتفوا بذلك حسب مصادر قريبة من المحادثات، بل طلب الحوثيون من السعودية تحمّل مسؤولية إعادة إعمار ما دمّرته الحرب وطالبوا بالحصول على نصيب من عائدات بيع النفط والغاز، واشترطوا انسحاب القوات الأجنبية من البلاد قبل إبرام أيّ اتفاق. في حين أكدت مصادر سياسية يمنيّة تفهّم السعودية لجزء كبير من تلك المطالب، ورفضها للجزء الآخر، وذكّرت بأنها استبقت الزيارة بخطوات لإثبات حسن النوايا، ومن هذه الإجراءات إلغاء قائمة تضم المئات من المواد التي كان يُمنع دخولها اليمن حتى لا يستخدمها الحوثيون في الأغراض العسكرية، كما ألغي التفتيش الإضافي الذي كانت البوارج تفرضه على السفن الداخلة إلى موانئ الحديدة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وعزّز هذه الإجراءات قرار السماح بدخول سفن الحاويات التجارية إلى تلك الموانئ بعد نحو ثمانية أعوام على المنع.
واشنطن "تفرمل" الاندفاع السعودي
السياسيون اليمنيون أنفسهم، وهم جزء من تحالف الأحزاب التي تشكّل الحكومة المعترف بها دوليًا، تحدثوا عن تدخل الولايات المتحدة و"فرملة" الاندفاع السعودي، لأنه وفق تقديرهم سيؤدي إلى إضعاف الحكومة الضعيفة أصلًا بسبب الخلافات الجذرية بين الأطراف المكوّنة لها، ويقولون إنّ الجانب الأميركي لا يريد أن يكون الاتفاق بين السعودية والحوثيين، بل بين الأطراف اليمنية، وتحت رعاية الأمم المتحدة، ولذلك كان هذا التدخّل وراء الهجوم المتواصل للحوثيين على واشنطن ودعوتهم الرياض إلى عدم الرضوخ لتلك الضغوط.
يسعى مبعوث الأمم المتحدة لإعادة توجيه مسار المحادثات في إطارها اليمنيّ
ورغم أنّ الحوثيين أعلنوا في نهاية الزيارة أنّ المحادثات مع الجانب السعودي وبحضور الوسطاء العمانين، حققت نتائج إيجابية وأنه تم الاتفاق على استكمال هذه النقاشات خلال شهر مايو (أيار)، لكنّ ذلك لم يحدث حتى الآن، بحيث يتحدث السياسيون اليمنيون عن رفع الحوثيين سقف مطالبهم، وعن مساعي يقوم بها مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبورغ لإعادة توجيه مسار المحادثات في إطارها اليمنيّ، لكن من دون الإعلان عن أيّ تقدّم إضافي باستثناء استمرار حالة الهدوء القائمة منذ ما يزيد على ستة أشهر من دون إبرام أي اتفاق.
وفي تعبير عن حالة الغضب الحوثية من عدم إحراز أيّ تقدّم، واتهام الحوثيين للجانب السعودي بعدم تنفيذ ما يقول الحوثيون إنها "التزامات" اتُّفق عليها خلال اللقاء في صنعاء، خرج زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي ليهدّد بعودة القتال إذا لم يحصل أيّ تقدّم فعليّ في مطالبهم بإلغاء آلية الأمم المتحدة للتفتيش المعنيّة بمراقبة منع وصول الأسلحة إلى الموانئ الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وإلغاء كافة القيود على الرحلات التجارية من مطار صنعاء والحصول على نصيب من عائدات بيع النفط والغاز. لكنه تجاهل مطلب صرف رواتب الموظفين، مدنيين وعسكريين، في مناطق سيطرتهم.
مستقبل مجهول للوحدة
وفي الجانب الآخر، لوحظ انهماك السعودية ومعها دولة الامارات العربية المتحدة في إعادة ترتيب وضع حلفائهما في الحكومة المعترف بها دوليًا، إذ انخرط البلدان في خطوات لإعادة تشكيل القوى السياسة في جنوب اليمن، في إطار المجلس الانتقالي المطالب بالانفصال، وبموجبه أدخل إليه عضوا مجلس القيادة الرئاسي، أبو زرعة المحرمي قائد التشكيل العسكري القوي المسمّى (ألوية العمالقة الجنوبية) ومعظم قادتها من ذوي التوجه الديني السلفي، وفرج البحسني الذي يسيطر نظريًا على قوات النخبة الحضرمية وهي تشكيل عسكري محلّي أنشأته وموّلته الإمارات ويفرض سيطرة كاملة على الجزء الساحلي من محافظة حضرموت التي تبلغ مساحتها ثلث مساحة البلاد.
"سياج إلكتروني" على الحدود السعودية مع اليمن بطول يزيد على 900 كلم لمنع التسلّل والتهريب
ورغم إعلان "الانتقالي الجنوبي" المطاِلب بالانفصال تبنّيه خيار استعادة الدولة التي كانت قائمة في جنوب اليمن قبل العام 1990، واقتراحه أن يكون اسم الدولة حضرموت أو الجنوب العربي أو جمهورية اليمن الديمقراطي، إلا أنّ أربعة من المسؤولين والسياسيين اليمنيين في الحكومة يجزمون في أحاديث معهم أن لا أحد يعرف بعد ما هي رؤية السعودية والامارات النهائية لمستقبل اليمن وبالذات ما يتعلق ببقاء الجنوب أو انفصاله عن الشمال، خصوصًا وأنّ المجلس الانتقالي يسيطر على عدن منذ العام 2019 وتمدّد إلى محافظات أخرى، ويشيرون في معرض التطرق إلى مسألة خروج السعودية من اليمن، إلى وجود مخاوف من أن تتحوّل المواجهة إلى صراع داخلي بين الاطراف اليمنية في حال اقتصار الاتفاق بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية على تأمين حدودها وتعهّدهم بعدم مهاجمة أراضيها والمنشآت النفطية فيها، لا سيّما وأنّ مسؤولين في الجانب الحكومي اليمني أكدوا تبلّغهم من السفير السعودي أنّ بلاده ماضية في بناء سياج إلكتروني على طول الحدود مع اليمن وبطول يزيد على 900 كيلومتر لمنع التسلّل والتهريب، وهو ما سيأتي وفق تقدير المسؤولين اليمنيين ضمن سياق ضمانات حدودية يقدّمها الحوثيون، بخاصة أنهم يسيطرون على الجزء الأهم من الخطّ الحدوديّ مع السعودية.
(خاص "عروبة 22")