هذه شهادة من مؤرخ إسرائيلي ذائع الصيت وعالم سياسة، وأستاذ للتاريخ في جامعة حيفا. وهو الذي ذاعت شهرته في العالم بناء على دقة معلوماته وحياديتها، حين كشف عن حقيقة حملة الإبادة في الهجوم الإسرائيلي على غزة. وإن ذلك كان تنفيذاً لخطة مجهزة سابقاً من قبل ما حدث في 7 أكتوبر، لتفريغ غزة من سكانها بالقوة.
البروفيسور إيلان بيبي الذي اطلع على الكثير من الوثائق السرية الإسرائيلية يقول: إن حملة التدمير والإبادة الإسرائيلية الشاملة لغزة التي تذرعت حكومة نتنياهو بأنها انتقام مما جرى يوم 7 أكتوبر، ليست هي الحقيقة. فإنني أعتقد أن هناك هدفاً آخر غير الادعاء بالانتقام مما جرى، هو محاولة استغلال حادث 7 أكتوبر، لخلق حقائق جديدة في أرض فلسطين التاريخية. وهذا يعني أن ما تفعله إسرائيل الآن في غزة هو جزء من ترتيبات قديمة كان يجري التجهيز لها من أجل تفريغ غزة من سكانها بالقوة.
وهو نفسه ما رأيناه في غزة من تطبيق لفصل جديد ومريع من تلك النكبة التي لا تزال إسرائيل تمارس فصولها حتى اليوم، وهو تنفيذ لخطة مجهزة لعملية تطهير عرقي، يستهدف البشر جميعهم بمن فيهم الأطفال والمواليد.
البروفيسور إيلان بيبي كان أستاذاً للتاريخ في جامعة حيفا، وهي البلد الذي ولد فيه وصدرت له مجموعة من المؤلفات عن القضية الفلسطينية، منها «فلسطين المنسية»، و«إسرائيل والمشكلة الفلسطينية»، و«التطهير العرقى في فلسطين»، وغيرها الكثير. وفي جميع مؤلفاته اعتمد على وثائق إسرائيلية مؤكدة.
وقد ترك إسرائيل في عام 2008، عندما بدأ يتعرض لهجمات بسبب كتاباته، منها هجوم شديد القسوة عليه في الكنيست، وتعرضه لتهديدات بالقتل، ثم مطالبة جامعة حيفا التي يعمل بها بتقديم استقالته.
وحين اشتعلت الأحداث المريرة الأخيرة في غزة فإن العديد من مراكز الدراسات الأوروبية، والمؤسسات الصحفية، ومنها صحيفة «ذا تلغراف» البريطانية، توجهت إليه تستطلع رأيه في حقيقة ما يجري في غزة. وكان من بين إجاباته قوله: إن الناس لن يفهموا الإطار الحقيقي الذي وقعت فيه أحداث 7 أكتوبر، إلا بعد فهم ما سبق أن جرى خلال 15 سنة من الحصار الخانق وغير الإنساني لغزة، ومن 56 سنة من الاحتلال البشع، وعمليات التطهير العرقي في الضفة الغربية، و75 سنة من عدم السماح للاجئين بالعودة إلى بيوتهم. فكل تلك الأحداث توجد حلقات في نفس السلسلة.
يقول بيبي عن نفسه إنه ظل ينقب في صفحات التاريخ الدموي بحثاً عن إجابة واقعية تفسر ما يحدث الآن، واستناداً إلى هذا القول، فإن مختلف مراكز الدراسات المهتمة بجهوده العلمية عادت إلى مؤلفاته السابقة تستخرج منها تفسيراً لما يجري اليوم في غزة وبقية أرجاء الأراضى الفلسطينية.
وأمام الواقع المأساوي الدموي في غزة اليوم علا صوت البروفيسور بيبي بقوله: «إنه لا مكان الآن للسلام، إلى أن يتم الاعتراف بجريمة طرد الفلسطينيين من ديارهم، وإلى أن يكف العالم عن أن يظل مغمض العينين عن حقيقة ما تفعله إسرائيل».
("الخليج") الإماراتية