صحافة

الانتخابات والسياسة .. وضرورة النظرة الشاملة

عماد الدين حسين

المشاركة
الانتخابات والسياسة .. وضرورة النظرة الشاملة

هل الانتخابات الرئاسية التي بدأت أمس الأول داخل مصر مسرحية؟ هذا السؤال ليس من اختراعي، لكن بعض المشاهدين وجهوه إلى الإعلامي المتميز أسامة كمال في برنامجه على قناة DMC مساء السبت الماضي، وكنت ضيفه مع الكاتب الصحفى الأستاذ علي السيد.

تقديري أنه من حق أي مواطن مصري أن ينظر للأمور والقضايا كما يشاء، لكن أيضا من المهم أن يرى الصورة الكاملة.

أسهل شيء في السياسة وأخطره أن يعتقد أي منا أنه امتلك ناصية الأمور جميعها وأوتي الحكمة الكاملة. هو أمر سهل ومريح لأي شخص أن يعتقد ذلك، وبالتالي يعود إلى بيته قرير العين، وكأنه أدى واجبه، وهو أخطر شيء لأنه يفاقم الأمور والمشاكل ولا يحلها، ويحول كل الأمور إلى مباريات صفرية وأبيض وأسود فقط دون النظر للعديد من الألوان الأخرى.

لا أحد يزعم أننا نعيش في مصر مناخا ديمقراطيا كاملا مثل البلدان الغربية العريقة في الديمقراطية، لكن من المهم جدا أن ندرك أن الوصول إلى هذه الحالة التي يراها البعض مثالية، لن يتم في يوم وليلة أو بكبسة زر، بل يحتاج مناخا وجهدا وشروطا موضوعية من الجميع وليس فقط من الحكومة والنظام، ولن يتحقق ذلك أيضا بقرار حكومي منفرد، بل هو حصيلة أوضاع مجتمعية شاملة، وتراكم نضالي سلمي طويل المدى، الديمقراطية الكاملة ليست مجرد إجراءات إدارية أو حتى وجود مرشحين وصناديق انتخابية ودعاية فقط، بل هي مناخ عام وتراكم مجتمعي طويل، يقود في النهاية إلى المشهد الذي نراه في العديد من المجتمعات الغربية وبالتالي فإن الطريق الطويل إلى الصندوق قد يكون مهما جدا مثل لحظة الانتخاب.

يعتقد بعض الحالمين أن الوصول إلى هذه الحالة المرجوة المثالية للديمقراطية هو قرار حكومي فقط، وهو أمر غير صحيح بالمرة.

على سبيل المثال تخيلوا لو أن الحكومة اتخذت قرارا غدا بإطلاق الحريات السياسية لأقصى مدى، فما الذي سيحدث؟! لن يحدث تطور وتغير فجائي لأن التربة الحزبية في مصر ليست في أفضل أحوالها، ولكي تتغير فلا بد من أن تقوم الأحزاب بتطوير نفسها، وأن تبذل جهدا كبيرا بمعنى أن تتأسس أولا على أسس صحيحة، وأن ينضم إليها الأعضاء بصورة طبيعية انطلاقا من برامجها. وثانيا أن توفر الحكومة المناخ الملائم لعمل الأحزاب، وثالثا أن ينضم المواطنون إلى الأحزاب المختلفة اقتناعا ببرامجها وليس بخدماتها، ورابعا أن يتقبل المجتمع كل ذلك ويكون هناك إطار قانوني ودستوري يضمن تحقيق ذلك على أرض الواقع، وليس فقط على الورق.

إذن الموضوع يحتاج لتعاون الجميع، وأهم حلقة في هذا الموضوع هو المواطن لأنه من دون مشاركة هذا المواطن فسوف تتحول الأحزاب إلى مجرد هياكل فارغة.

الخطوة الأولى في هذا الأمر أن يشارك المواطن في كل الأنشطة السياسية، بمعنى أن ينضم أولا للحزب الذي يؤمن ببرنامجه، وأن يشارك في الندوات والمؤتمرات ويدفع الاشتراكات، ثم وهذا هو الأهم أن يشارك في كل الانتخابات والاستفتاءات وكل ما له صلة بالحياة السياسية.

إذا حرص المواطن على المشاركة في الانتخابات فإن ذلك سيقود آليا إلى نشأة أحزاب حقيقية تعبر عن مصالح مجتمعية فعلا، وليس مجرد ديكورات حزبية بلا مضمون.

إذن مرة أخرى من يزعم أن ما يحدث هو مسرحية عليه أن ينزل ويشارك ويصوت ويختار أيا من المرشحين الأربعة المشاركين في الانتخابات الرئاسية، وإذا فعل كل شخص ذلك فإنه سيفيد نفسه أولا ومرشحه ثانيا وبلده ثالثا وأخيرا. أما إذا اختار الحل السهل وظل جالسا على الكنبة، فلا يلومن إلا نفسه حينما يرى سياسات لا تعجبه.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن