صحافة

الماكينة الحزبية التي تحركت

عماد الدين حسين

المشاركة
الماكينة الحزبية التي تحركت

انتهت الانتخابات الرئاسية التي جرت على مدى ثلاثة أيام داخل مصر، أيام الأحد والإثنين والثلاثاء الماضية، وقد شهدت هذه الانتخابات العديد من المشاهد التي يفترض أن نتوقف عندها بالتأمل والتحليل، لعلنا نستفيد من الايجابيات ونتخلص من السلبيات.

أحد أهم هذه المشاهد من وجهة نظري هي عودة الدور المؤثر لبعض الأحزاب في العملية الانتخابية، بما قد يؤدي إلى تطوير الأحزاب السياسية إذا أحسنت استغلال هذه الفرصة وطورت من أساليب عملها نحو مزيد من الوجود الجماهيري.

بطبيعة الحال فإن أحد أهم مؤشرات هذا الحراك الحزبي هو أن نسبة المشاركة في الانتخابات بلغت ٤٥٪ بعد يوم ونصف اليوم فقط تقريبا من بدء التصويت، طبقا لما أعلنه المستشار أحمد البنداري رئيس الجهاز التنفيذي للهيئة الوطنية للانتخابات.

أكتب هذه الكلمات صباح الثلاثاء، وبالتالي لا أعلم النتيجة النهائية لنسبة المشاركة، لكن من شبه المؤكد أن النسبة سوف تتجاوز الـ٥٥ وربما تقفز إلى ما فوق الـ٦٠٪ إذا استمر التصويت بنفس الوتيرة خلال اليوم الأول.

العوامل التي تقف وراء زيادة نسبة المشاركة التي فاجأت كثيرين متعددة، ومنها الحملات الانتخابية للمرشحين الأربعة، لكن سأركز اليوم فقط على العامل الحزبي.

أعلم أن الاستعدادات الحزبية لمثل هذا اليوم لم تكن وليدة اللحظة، بل بدأت منذ شهور، وشهدت الأحزاب ذات الصلة أي التي لها مرشح رئاسي، أو الأحزاب الكبرى الداعمة للرئيس عبدالفتاح السيسي نشاطا محموما من أجل تحفيز وتشجيع أكبر عدد من الناخبين للتوجه إلى صناديق الانتخابات.

وهنا لا بد من الإشارة تحديدا إلى دور كل من حزبي «مستقبل وطن» و«حماة وطن».

ومن الواضح أن كلا الحزبين اللذين يحوزان الأغلبية داخل مجلسي النواب والشيوخ، تقريبا قد تمكنا من حشد المصوتين في لجان الانتخابات الرئاسية.

الصورة النهائية كما بدت في محيط لجان التصويت هي وجود عناصر حزبية لإرشاد وتوعية الناخبين بكيفية الإدلاء بالأصوات. لكن قبل ذلك فإن المهمة الأساسية هي إقناع الناخبين بالتوجه أساسا إلى صناديق الانتخاب. وفي هذا الصدد هناك الكثير من القصص والحكايات، لكن لا يمكن الجزم بمدى صحتها. وفي المحصلة النهائية، فإن ما سيبقى هو رقم المشاركة المرتفع الذي قد يسجل رقما قياسيا في تاريخ الانتخابات الرئاسية التعددية.

وسمعت من أحد المتابعين والمراقبين للعملية الانتخابية أنه رصد ما يمكن تسميته بتنافس انتخابي حميد بين حزبي «مستقبل وطن» و«حماة وطن» بشأن حشد الناخبين للمشاركة أولا، ثم التصويت للمرشح الرئاسي عبدالفتاح السيسي، لكن متابعا آخر حضر النقاش قال إنه يعتبر ما حدث تنسيقا وتكاملا بين الحزبين من أجل تحقيق هدف واحد وهو أن يفوز مرشحهم أولا وأن تكون هناك نسبة مشاركة مرتفعة ثانيا، وإن كان البعض يرى أن التحدي الرئيسي في الانتخابات الأخيرة، لم يكن هو فوز السيسي باعتبار أن ذلك مضمون بنسبة ١٠٠٪، ولكن كان التحدي هو نسبة المشاركة، على اعتبار أن المرشحين الثلاثة الآخرين أي فريد زهران وحازم عمر وعبدالسند يمامة لا يشكلون منافسة حقيقية للسيسي، مع كل التقدير والاحترام لأشخاصهم. وربما يكون الحزبان أي مستقبل وطن وحماة وطن يتنافسان أيضا على من يكون هو الحزب الأولى بالرعاية في الانتخابات النيابية المقبلة.

التقدير أيضا أن الحشد الحزبي في هذه الانتخابات هو بروفة مهمة للأحزاب المصرية خصوصا الكبرى منها للانتخابات النيابية.

وكان واضحا في عملية الحشد أن نوابا كثيرين نزلوا إلى دوائرهم الانتخابية لإقناع الناخبين بالمشاركة في الانتخابات، باعتبار أن أي تراجع في نسبة المشاركة قد يفسر على أنه تخاذل حزبي، وبالتالي يمكن فهم الجهود الملحوظة التي بذلها العديد من النواب لإقناع الناخبين بالمشاركة. إضافة إلى عودة الالتزام الحزبي إلى حد ما وأن الحزب أقوى من النائب والعضو.

في كل الأحوال سيكون من حق هذه الأحزاب حينما تظهر الأرقام النهائية والتفصيلية لنسبة المشاركة الزعم بأنها بذلت جهدا كبيرا في هذه الانتخابات وأنها نجحت في هذا الاختبار المهم. لكن السؤال الجوهري الذي نكرره كثيرا هو: هل ستواصل هذه الأحزاب تواصلها مع الجماهير على الأرض أم تدخل في السبات الشتوي «المعتاد» حتى تأتي استحقاقات انتخابية جديدة؟!.

("الشروق") المصرية

يتم التصفح الآن