أمريكا وأوروبا بدأت تتحدث في الأيام الأخيرة عن اعتزامها معاقبة «المتطرفين» من المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية المحتلة، بمنعهم من دخول أراضيها، والإعلام الغربي وبعض السذج العرب يتفاءلون بهذه الأخبار ويتعاملون معها باعتبارها تطورا مهما في المواقف الأمريكية والأوروبية. فهل الأمر كذلك فعلًا، أم أن هناك وجهة نظر أخرى؟!.
آخر من تحدث في هذا الأمر مساء يوم الأربعاء الماضي، كانت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ونددت في جلسة أمام البرلمان الأوروبي في ستراسبورج بتصاعد أعمال العنف التي يمارسها المستوطنون واعتبرتها تهدد الاستقرار في المنطقة. وقالت إن «عنف المستوطنين يتسبب في معاناة هائلة للفلسطينيين، ويعرض احتمالات السلام الدائم للخطر، ويمكن أن يفاقم عدم الاستقرار الإقليمي، ولهذا السبب فنحن نؤيد فرض عقوبات على المتورطين في الهجمات ضد الفلسطينيين».
قبل أيام أيضا ألمحت الولايات المتحدة إلى أنها تعتزم فعل نفس الشيء ومنعهم من دخول الولايات المتحدة.
مبدئيا ولأنني صرت أفكر بصورة واقعية إلى حد كبير بعيدا قدر الإمكان عن الانفعال، فأي تغير إيجابي في أي موقف أوروبي، وأمريكي من القضية الفلسطينية وقضايانا العربية هو أمر جيد وينبغي أن نرحب به ونعمل على تعظيمه وتفعيله.
لكن التغيرات الإيجابية شيء والخديعة و«الضحك على الذقون» شيء آخر.
أبسط سؤال يمكن أن نسأله للأمريكيين والأوروبيين الذين يقولون إنهم سوف يفرضون عقوبات على متطرفي المستوطنين هو الآتي: هل سألتم أنفسكم أولا عن مدى شرعية وجود هؤلاء المستوطنين أساسا في الصفة الغربية، وبالتالي يكون النقاش والجدل حول طريقة إخراجهم من هذه الأرض التي احتلوها، وليس عدم تعرضهم لسكان هذه الأرض.
السؤال الثاني للغرب هو:
ولماذا لا توقعون هذه العقوبات على الحكومة والجيش والوزراء الذين يدعمون هؤلاء المتطرفين؟
كيف تعاقب مستوطنا متطرفا في حين أن هناك بعض الوزراء في الحكومة ومنهم إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي ورئيس حزب «قوة يهودية» المتطرف قام علنا بتسليم الأسلحة للمستوطنين في الضفة وغلاف غزة بحجة الدفاع عن أنفسهم.
المستوطن في النهاية ينفذ سياسة حكومته. وبالتالي فإن السؤال الجوهري الأولى ليس هو العنف الذي يمارسه المستوطنون ولكن نسأل ما الذي جاء بهؤلاء المستوطنين إلى الضفة الغربية أصلا؟.. أليست هذه أرضا فلسطينية طبقا للقوانين والتشريعات الدولية، وأليست هي جزءًا أساسيًا من الدولة الفلسطينية التي تحدث عنها قرار ٢٤٢ عام ١٩٦٧ والقرار ٣٣٨ عقب حرب أكتوبر ١٩٧٣.
المستوطنون لم يأتوا للضفة من تلقاء أنفسهم، بل أحضرتهم الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة خصوصا اليمينية وهي التي تنزع أرض السكان الأصليين وتبني عليها الوحدات السكنية وتسلمهم لهم، وهي التي ترعى اعتداءات المستوطنين على السكان وتدمير مزارعهم ومصانعهم بل وقتلهم.
وأحد قادة حكومة إسرائيل وهو سموتربتش قال إن الخيارات المتاحة للفلسطينيين هي أما أن يعيشوا عبيدا في خدمة الإسرائيليين أو يرحلوا أو يتم قتلهم، ولم تتحرك حكومة أوروبية لتقول له إن ذلك هو الإرهاب والعنصرية وهو الذي يخلق الإرهاب والعنف.
الحكومات الأوروبية وأمريكا زعموا زورا أن عدوان إسرائيل على الفلسطينيين في غزة والضفة هو دفاع عن النفس، ونسوا أن القانون الدولي الذي وضعه هؤلاء الأوروبيون أنفسهم يعطي الشعوب الخاضعة للاحتلال حق المقاومة بكل السبل ولا يعطيها للدولة القائمة بالاحتلال.
على الغرب إذا كان صادقا أن يبحث في جوهر الأمر وهو الاحتلال المستمر منذ عام ١٩٦٧.
ثم وهذا هو الأهم ما قيمته أن يفرض الغرب عقوبات على المستوطنين المتطرفين أقصاها منعهم من دخول أمريكا وأوروبا لكنك في نفس الوقت لا تعاقب الحكومة أو الحكومات التي تشجعهم وتسلحهم على قتل الفلسطينيين وتدمير مزارعهم وهدم بيوتهم.
ما الذي سيضير إسرائيل إذا كان بعض قادة المستوطنين لن يدخلوا أوروبا وأمريكا في حين سوف يتمكنوا من تهجير الفلسطيين من الضفة أو قتلهم، وتدمير مزارعهم وبيوتهم.
إذا كانت أوروبا وأمريكا جادة فعلا فعليها ألا تعاقب المستوطنين المتطرفين، لكن عليها أن تعاقب أو تسأل الحكومة التي تدعمهم وتسلحهم.
("الشروق") المصرية