قد يكون الأكثر دقة أن نقول «العدوان الأمريكي على قطاع غزة بدلا من أن نتعامل مع الأمر على أنه عدوان إسرائيلي فقط». وإذا كان الأمر كذلك فإنه يكون من العبث الشديد التعامل مع الولايات المتحدة باعتبارها وسيطا نزيها.
النتيجة السابقة يمكن لأي متابع استخلاصها بكل سهولة منذ بداية العدوان عصر يوم السبت السابع من أكتوبر الماضي وحتى هذه اللحظة.
هي خلاصة ليست ناتجة عن موقف سياسي ضد الولايات المتحدة بل هي مجرد رصد لوقائع على الأرض وأقوال واضحة لغالبية المسؤولين الأمريكيين.
في الأيام الأولى للعدوان أرسلت الولايات المتحدة حاملتي الطائرات ايزنهاور وفورد وسفنا نووية للسواحل الإسرائيلية لتقديم كل أنواع الدعم والحماية أولا، ولمنع أي أطراف أخرى من الانضمام للحرب ضد إسرائيل خصوصا إيران وحزب الله اللبناني.
ويوم الإثنين الماضي نشرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية تقريرا مهما يقول إن الجيش الإسرائيلي ألقى ٢٢ ألف قنبلة على قطاع غزة زودته بها الولايات المتحدة. كما أرسل قنابل تزن الواحدة ٩٠٠ كيلوجرام مخصصة لاختراق التحصينات، وأرسل أكثر من ٥٠ ألف قذيفة مدفعية، كما وافق على إرسال قذائف مخصصة لدبابات ميركافا الإسرائيلية علما بأن إسرائيل تحصل على ٣٫٨ مليار دولار مساعدات عسكرية من أمريكا سنويا.
وقد لا يعرف كثيرون أن أحد أسباب الدمار الواسع لمباني ومساكن ومنشآت قطاع غزة وآلاف الشهداء الذين سقطوا في العدوان كان بسبب هذه الأسلحة الأمريكية.
وطبقا لتقرير مهم نشر في موقع «سكاى نيوز عربية» الإماراتي ظهر يوم الإثنين الماضي، فإن إسرائيل توسعت خلال عدوانها في استخدام صواريخ «GBU» الأمريكية لهدم المباني والتحصينات الخرسانية بحثا عن أنفاق حركة حماس وفصائل المقاومة. يقول التقرير إن طائرات الإف ١٦ الأمريكية الصنع ظهرت مرارا وتكرارا في سماء غزة خلال العدوان وهي تحمل هذه القذائف التي طورتها شركة لوكهيد الأمريكية، وهي التى تسببت في صنع حفر عميقة في الأرض والشوارع والمناطق السكنية. هناك أيضا قنابل GBU 28 وتسمى مدمر الملاجئ وهي نوع خاص من القنابل الخارقة للأرض وقد تم تجريبها قبل ذلك في ٥ حروب وخصوصا في أفغانستان والعراق وكوسوفو، وتكلفة الصاروخ ٤٥ ألف دولار. وعلى ذمة واشنطن بوست فإن إسرائيل أسقطت في أسبوع واحد ٦ آلاف قنبلة على غزة، في حين أسقطت أمريكا على أفغانستان ٧٤٢٣ قنبلة خلال عام كامل، علما بأن قطاع غزة صغير جدا من حيث المساحة والأعلى كثافة سكانية في العالم. واستخدمت إسرائيل قذائف صاروخية بأكثر من عشرة آلاف صاروخ في أسبوع واحد.
ونتذكر أنه بمجرد بدء العدوان جاء الرئيس الأمريكي جو بايدن لزيارة إسرائيل، وهي المرة الأولى التي يزور فيها رئيس أمريكا إسرائيل أثناء الحرب، ليقول لهم نحن معكم وندافع عنكم، ومن يومها بدأ يتبنى كل الأكاذيب الإسرائيلية.
وبعده جاء وزير الدفاع لويد اوستن ليقول إن مخازن الجيش الأمريكي مفتوحة أمام إسرائيل لتأخذ منها ما تشاء، وجاء وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ست مرات منذ بدء العدوان، وكان الأكثر وضوحا حينما قال: «جئت إلى هنا باعتباري يهوديا قبل أن أكون وزيرا للخارجية الأمريكية»، وآخر تصريح له قبل أيام قليلة أن الحرب سوف تتوقف حينما تعلن المقاومة الفلسطينية استسلامها.
الدعم الأمريكي الشامل لم يكن عسكريا فقط أو حتى سياسيا، وإعلاميا، بل كان دبلوماسيا أيضا.
واشنطن استخدمت سلاح الفيتو ثلاث مرات في مجلس الأمن الدولي لمنع صدور قرار لوقف إطلاق النار، الأول كان روسيا، والثاني برازيليا والثالث إماراتيا في الأسبوع الماضي.
صار واضحا أنه من دون الدعم الأمريكي السافر والصارخ ما كان يمكن لإسرائيل أن تبدأ أولا في عدوانها، وما كان للعدوان أن يستمر من دون هذا الدعم المفتوح خصوصا أن الموازنة الإسرائيلية لا يمكنها أن تتحمل كل هذه الخسائر الناجمة عن تعبئة كل أفراد الاحتياط، وتوقف العديد من الأنشطة الاقتصادية خصوصا قطاع الغاز الطبيعي إضافة إلى تكلفة تهجير سكان غلاف غزة ومستوطنات الجليل الأعلى المتاخمة للحدود اللبنانية.
وقد يكون من المهم للدول العربية أن تستنتج خلاصة ما حدث منذ يوم 7 أكتوبر الماضي، وهو أن الولايات المتحدة لم تعد حتى تتخفى وراء أي ستار في دعم إسرائيل.
وبالتالي ربما يكون من المفيد أن نسمي الأشياء بمسمياتها وهي أن العدوان الجاري حاليا اسمه العدوان الأمريكي قبل أن يكون العدوان الإسرائيلي، وربما الأدق أن نسميه العدوان الأمريكي الإسرائيلي على قطاع غزة.
("الشروق") المصرية