أبدت الولايات المتحدة اهتماماً منقطع النظير بالحرب في غزة والحرص الشديد على منع توسعها، فقد قام الرئيس الأمريكي جو بايدن بزيارة إلى إسرائيل للتعبير عن أقصى درجات التضامن معها، وحظيت عدد من دول المنطقة بزيارات مكوكية من قبل وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ووزير الخارجية أنتوني بلينكن بغية تحقيق ذلك.
هناك تحشيد عسكري أمريكي في شرق البحر الأبيض المتوسط وفي رأي العديد من المحللين الاستراتيجيين بأن هذه الاستراتيجية لم تأتِ لمجرد التصدي لميليشيات تزعج الولايات المتحدة لإجبارها على سحب قواتها من الأراضي السورية أو من الأراضي العراقية بل لأداء مهام أبعد من ذلك بكثير، فالمنطقة تشكو من أشد حالات الاحتقان، ومن المحتمل جداً أن تنفجر وفق مسارات لا تسمح الولايات المتحدة بحدوثها لأنها تتعلق بالمساس بالتوازنات الدولية.
لا تزال منطقة الشرق الأوسط محط أنظار قوى عديدة ترغب في أن يكون لها حضور فيها، في مقدمتها روسيا والصين أبرز منافسي الولايات المتحدة وأبرز خصومها في الوقت نفسه، الحضور الأمريكي العسكري الكثيف يتصل من غير شك بذلك، فواشنطن توجه بهذا الحضور وبكل وضوح رسائل مهمة إلى روسيا وإلى الصين، وهذا الحضور ليس بالضرورة لتنفيذ مهام قتالية كبيرة رغم جهوزيته لذلك، فالعديد من أهداف واشنطن يمكن أن تحققها «دبلوماسية» الحضور الميداني لأساطيلها البحرية والجوية في المكان والزمان المناسبين، خاصة أنها قد تخلت عن سياسة الصبر على الانتهاكات، وتلقي الضربات من قبل الفصائل المسلحة في العراق وفي سوريا أو ميليشيا الحوثي في اليمن دون رد، في سياق ذلك تصعد واشنطن من مواقفها، فمع بدء الحرب في غزة وتضاعف الهجمات الصاروخية وهجمات الطائرات المسيرة على مواقعها في العراق وفي سوريا أصدرت الخارجية الأمريكية في الثاني والعشرين من أكتوبر أمراً بمغادرة الموظفين الحكوميين غير الأساسيين وأفراد أسرهم، في سفارتها في بغداد وقنصليتها العامة في أربيل تحسباً لما قد يأتي. ومن المعلوم أن الولايات المتحدة لم يعد لديها سفارة في سوريا منذ فبراير 2012.
المخاطر الأمنية في المنطقة وفق المنظور الأمريكي مصدرها تنظيم «داعش» والفصائل المسلحة، وهي الأكثر خطورة على المصالح الأمريكية. وقد اعتبر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن خلال زيارة غير معلنة إلى بغداد في السادس من نوفمبر المنصرم مرتدياً سترة واقية من الرصاص بأن الهجمات ضد القوات الأمريكية في العراق وفي سوريا غير مقبولة على الإطلاق، وأن بلاده ستدافع عن مصالحها وأفرادها، معرباً ضمناً عن عدم الرضا عن أداء حكومة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني التي لا تستطيع التصدي لأعمال هذه الفصائل.
الولايات المتحدة بدأت فعلاً بالرد الموجع على عمليات الفصائل المسلحة ولأول مرة داخل الأراضي العراقية في محافظة الأنبار، ثم في أطراف بغداد، ثم في أهم معاقل هذه الفصائل في جرف الصخر، ثم في كركوك. وليس من المتوقع أن يُصار إلى تهدئة، فالوسيط الوحيد هي حكومة بغداد المحرجة جداً، والتي تواجه في الوقت نفسه العديد من الأزمات الداخلية.
("البيان") الإماراتية