أظن لو أن الفلسطينيين والعرب وكل المهتمين بالصراع العربي الإسرائيلي قد قرأوا بتمعن الدراسة الخطيرة التي أعدها وزير المالية الإسرائيلي الحالي بتسلئيل سموتريتش قبل خمسة شهور، ما تفاجأوا بالنوايا العدوانية الإسرائيلية الوحشية في غزة أو القمع غير المسبوق في الضفة الغربية. قبل قراءة تفاصيل الدراسة علينا تذكر أن سموتريتش لا يمثل نفسه بل اليمين الإسرائيلي المتطرف وهو تيار يحكم إسرائيل فعليا منذ منتصف التسعينيات تقريبا.
سموتريتش رئيس حزب متطرف هو «الصهيونية الدينية» وعضو كنيست وهو أحد الأقطاب الأساسية في الائتلاف الحكومي الحالي الذي يقوده بنيامين نتنياهو.
هو كتب هذه الدراسة في منتصف يوليو الماضي، ونشرها في مجلة «هاشيولوش» تحت عنوان رئيسي هو «خطة إسرائيل الحاسمة» وعنوان فرعي هو «الأمل الوحيد»، وخلاصتها أن الفلسطينيين أمامهم ثلاثة خيارات لا غير وهي أولًا إما القبول بالعيش في دولة يهودية من النهر للبحر كمواطنين درجة ثانية، وإما الترحيل للخارج، وإما القتل.
الدراسة مكتوبة بلغة عنصرية متعالية جدا وخلاصتها القضاء على أي أمل في وجود فلسطيني قومي ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن.
ومما يثير الاشمئزاز أن سموتريتش يرى أن هذه الخطة هي الأكثر عدالة وأخلاقية بكل المقاييس التاريخية والصهيونية واليهودية.
البداية كما يقول سموتريتش هي تطبيق السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة الغربية أو كما يسميها مناطق يهودا والسامرة، وذلك بإنشاء مدن ومستوطنات جديدة وكثيفة في عمق الضفة وجلب مئات الآلاف من المستوطنين للعيش فيها، وحينما يتحقق ذلك فسيؤثر على وعي العرب «الفلسطينيين» وكذلك العالم بأن دولة عربية لن تقوم على هذه الأرض.
وفي هذه الحالة لن يكون أمام العرب إلا بديلان، الأول أن الذين يرغبون في التخلي عن طموحاتهم الوطنية يمكنهم العيش والبقاء هنا كأفراد في الدولة اليهودية في إطار إدارات بلدية بلا حقوق مواطنة وبلا تصويت في الكنيست. أما الذين لا يريدون التخلي عن طموحاتهم الوطنية فسيحصلون على مساعدات للهجرة إلى الخارج.
وأما من يرفض التخلي عن طموحاته الوطنية أو الرحيل ويستمر في محاربة الجيش الإسرائيلي فسيتم التعامل معه بالرصاص باعتباره إرهابيا.
وبعد أن ينتهي سموتريتش من وضع خياراته الثلاثة يتحدث عن الأسس الثمانية لخطته «الواقعية الأخلاقية» ومنها أن حل الدولتين غير واقعي وأن شعار «دولتين لشعبين» فارغ المضمون، وأن قيام دولة فلسطينية في الضفة انتخار قومي.
وثانيًا أن المشروع الصهيوني لعودة الشعب اليهودي إلى أرضه بعد ألفي عام من النفي والاضطهاد هو المشروع الأكثر عدالة وأخلاقية، وإيماننا بعدالة قضيتنا هو ما يعطينا القوة الأخلاقية لهزيمة التطلعات العربية المتضاربة.
وثالثًا أن القول بأن «الإرهاب الفلسطيني» ينبع من اليأس هو كذب، بل ينبع من الأمل فى إضعافنا وأن المنطقة ما بين البحر المتوسط ونهر الأردن هى وحدة جغرافية واحدة ولا يمكن تقسيمها، وإذا حدث ذلك فسيكون مقدمة لتدمير إسرائيل، وأن المأساة زادت مع جلب الفلسطينيين للعيش معنا بعد اتفاق أوسلو عام ١٩٩٣.
وبمغالطة عنصرية يقول إنّ قطاع غزة كان يعيش في رغد حينما كان تحت الاحتلال، ثم تدهور حاله بعد انسحاب إسرائيل. وهو يعتقد أنه لو قامت دولة فلسطينية في الضفة فسيكون حالها مثل حال قطاع غزة حاليا.
وأخيرًا يقول إنّ «الانتصار في الصراع أفضل اقتصاديا من الاستمرار في إدارته».
هو يقول إن استمرار التوطين بقوة سيؤثر على وعي العرب بأنه لا مكان لهم في هذه الأرض، وهم سيقاومون ذلك في البداية لكن الرد عليهم سوف يحبطهم ويجعلهم يقبلون بالوضع وحينما يقتنع الفلسطينون بأنه لا أمل لهم في دولة مستقلة فسوف يقبلون العيش تحت السيادة الإسرائيلية في إطار ست بلديات بحكم ذاتي في الخليل وبيت لحم ونابلس وأريحا وجنين ورام الله وسوف يتمتعون بمستوى معيشة أفضل مما هو موجود في كل الدول العربية المجاورة ولن يتمكنوا من التصويت كي نحافظ على الهوية اليهودية للدولة بل يمكنهم التصويت في الانتخابات الأردنية.
هذا هو جوهر خطة سموتريتش ومرة أخرى خطورة هذه الخطة أنها لم تأت من مجرد متطرف إسرائيلي وما أكثرهم، ولكن من زعيم عنصري له دور كبير في الحكومة الحالية ويعبر عن تيار أصيل في إسرائيل.
مطلوب منا كعرب وفلسطينيين أن نقرأ ما يحدث في إسرائيل جيدًا، لأنني أظن أننا لو كنا قرأنا هذه الدراسة في وقتها بجدية، لفهمنا مبكرًا ما نتفاجأ به الآن.
("الشروق") المصرية