لسان حال العربي في الشارع هذه الأيام: لماذا تكرهنا واشنطن؟ لماذا تتعامل معنا باستخفاف وبتجاهل تام لحقوقنا؟ ما الذي يجعلها تنظر إلى بلاد العرب كفناء خلفي تضرب وتقصف وتبيد فيه بلا رقيب ولا حسيب؟ هل نظرتها تنحصر في أنّ شعوب المنطقة بلا وزن؟.
هذه الأسئلة مشروعة جدًا مع استخدام الإدارة الأمريكية لكل أدواتها على الصعيد الدولي لحماية العدوان الصهيوني، فكم من قرار في مجلس الأمن مات قبل أن يولد بفعل الفيتو الأمريكي؟ ألم تُسقط الولايات المتحدة أي شرعية للقوانين والأعراف الدولية بتعطيلها عن العمل حمايةً للإجرام الإسرائيلي؟.
مواقف واشنطن المنحازة بوقاحة لجانب جرائم اللا إنسانية ضد غزّة، ولّدت السؤال المنطقي الوحيد عند رجل الشارع العربي العادي، الذي يحسب الأمور بعفوية، حول أسباب تعبير الإدارة الأمريكية عن كراهيتها واحتقارها للعرب، في أحداث غزّة، وقبلها طبعًا سجل تدخلها في المنطقة لصالح الكيان الصهيوني من ناحية، والتدخل الكارثي في العراق وليبيا وسوريا من ناحية أخرى، فضلًا عن التحرّش بلبنان والسودان واليمن في مناسبات مختلفة.
استهانة الولايات المتحدة بالعرب عائدة أساسًا لأنها تعلم جيدًا أنّ الشعوب محجوبة الصوت بفعل أنظمة قمعية
إنّ المشاعر السلبية في المنطقة، ليست وليدة الصدفة، بل هي نتيجة طبيعية لشعور عميق بكراهية أمريكية للعرب، ممزوجة باحتقار مبطّن واستهانة بكل ما يمت للعرب بصلة، كما تعرضه هوليوود بصورة فجة في أفلامها، فالحقيقة أنّ المواطن العربي في الكثير من مدننا لا يكن مشاعر عدائية للسياسة الأمريكية بلا سبب، بل هو في الواقع مشغول بمعرفة سر تحركات واشنطن ضد العرب بهذا الشكل الذي ينم عن استهانة.
أحد أهم دوافع قطاع عريض من العرب في تبني كراهية الإدارة الأمريكية لهم، هو موقف الأخيرة من القضية الفلسطينية، فالانحياز لصالح إسرائيل هو الأساس، سواء في حروبها مع مصر، أو تعاملها اللا إنساني مع الفلسطينيين داخل الأراضي العربية المحتلة، فلا تحرّك واشنطن ساكنًا لكل المجازر التي ارتكبها جيش الاحتلال على مدار عقود، بل إنّ هذا التحرك وفّر الحماية لمجرمي الحرب الإسرائيليين أمام أي ملاحقة دولية.
لكن الجزء الغائب هنا هو أنّ استهانة الولايات المتحدة بالعرب، عائدة أساسًا لأنها تعلم جيدًا أنّ الشعوب محجوبة الصوت بفعل أنظمة قمعية تتجه طوعًا لتقديم أوراق اعتمادها للإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهي أنظمة ترى أنّ 99 بالمائة من أوراق اللعبة في يد واشنطن، لذا لم يكن غريبًا أن تظهر بصورة المتزلّف للأمريكيين، وبالتالي تروّج لصورة مهينة للعرب ضيّعت هيبتهم، وأي فرصة لبناء مراكز ضغط توازي ما حققه اللوبي الصهيوني من اختراق لدوائر صنع القرار الأمريكي.
إنّ الكراهية هنا ليست صنيعة عربية، فالكثيرون معجبون بنمط الحياة الأمريكية، فلا يصح أن يُطرح سؤال: لماذا يكره العرب أمريكا؟ بل إنّ الأمور لكي تستقيم يجب أن تجرّنا إلى طرح السؤال بطريقة أخرى: لماذا تستهين أمريكا بالعرب؟ أي البحث في السياسات الأمريكية في المنطقة، وكيف ساعدت بتدخلها الوقح والقائم على تحقيق مصالحها ومصالح حلفائها على حساب العرب، في خلق مناخ كراهية ضدها في المنطقة.
واشنطن تريد ثروات العرب ولا غضاضة في التضحية بأرواحهم في سبيل تحقيق هذا الغرض
إنّ واشنطن المسؤولة عن تنامي المشاعر السلبية لها في العالم العربي، يساعدها في ذلك أنظمة محلية ضيقة الأفق لا تفكر بأكثر من بقائها في السلطة، ولا ترى أفضل من التماهي مع المصالح الأمريكية، حتى ولو كان هذا على حساب شعوبها.
المعادلة بسيطة إذن؛ فالولايات المتحدة التي تقدّم نفسها كحارسة العالم الحر وقيم الديمقراطية، تخون هذه الشعارات عندما يتعلق الأمر بالشعوب العربية، يساندها في ذلك أنظمة محلية لا تبحث إلا عن دائرة مصالحها الضيقة عبر طلب الحماية الأمريكية.
لذا يشعر قطاع من العرب بغضب شديد إزاء سياسات واشنطن، التي تعكس في ظاهرها كراهية صريحة لهم، كونها تأتي دومًا على حساب الشعوب بحثًا في العمق عن مصالح أمريكية في السيطرة على ثروات العالم العربي، سواء كان ذلك عبر التدخل العسكري، أو التغاضي عن العربدة الإسرائيلية، أو موالاة أنظمة لا تحظى بتأييد شعبي، هنا تتلاقى أسباب كراهية واشنطن للعرب، فهي تريد ثرواتهم ومصادر قوتهم ولا غضاضة عندها في التضحية بأرواحهم في سبيل تحقيق هذا الغرض.
(خاص "عروبة 22")