اقتصاد ومال

الحوثيون يشلّون البنوك: تجميد الودائع وإلغاء الفوائد

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

أصاب الشلل البنوك التجارية اليمنية العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين، بعد إصدار الجماعة التي تسيطر على العاصمة صنعاء ومعظم محافظات الشمال، تشريعًا بمنع الأرباح على الودائع بحجة محاربة الربا، وهو ما ضاعف من معاناة نحو مليوني مودع كانوا يعتمدون على الفوائد في مواجهة متطلّبات الحياة وسط الأزمة الاقتصادية الحادة التي تعصف بالبلاد نتيجة الحرب المتواصلة منذ عام 2015.

الحوثيون يشلّون البنوك: تجميد الودائع وإلغاء الفوائد

عاملون في قطاع البنوك يتحدثون عن توقّف شبه كامل لأنشطة البنوك بعد ذلك القرار الذي ألغى أيضًا الفوائد على الدين الداخلي حيث بلغ إجمالي المبالغ التي تم تجميدها أكثر من 3 ترليون ريال (الدولار يساوي 530 ريال يمني) في مناطق سيطرة الحوثيين، وذكر هؤلاء أنّ 2 مليون شخص كانوا يعيشون على فوائد العائدات 85‎%‎ منهم من العاملين في القطاع الخاص.

هذه الخطوة، وفق مصادر بنكية، مكّنت الحوثيين من السيطرة على ما تبقى من فوائد المدخرات البنكية للهيئات والتجار والمودعين العاديين، خصوصًا وأنّ معظم البنوك التجارية أوقفت، ومنذ سنوات، صرف المدخرات والودائع أو أرباحها بعد نقل البنك المركزي إلى عدن في نهاية 2016، كما تم تجميد أذون الخزانة التي كانت البنوك التجارية تستثمر فيها الودائع.

ويؤكد نائب وزير التخطيط والتعاون الدولي السابق، مطهر العباسي، أنّ الحرب أدت إلى أزمة اقتصادية حادة تمثّلت في تدهور النمو الاقتصادي، وتزايد معدلات البطالة والفقر، والتراجع الحاد في عوائد صادرات النفط والغاز وعدم القدرة على دفع مرتبات موظفي الدولة في معظم المحافظات، ويقول إنه بالإضافة إلى تدهور القوة الشرائية للريال وارتفاع معدل التضخم في البلاد، فإنّ الحرب أدت إلى التراجع الحاد في تقديم الخدمات الأساسية للمواطنين، بخاصة خدمات الكهرباء والمياه والصرف الصحي، وخدمات التعليم والصحة، فضلًا عن التدهور الكبير في قطاع الطرقات والجسور والمطارات والموانئ.

المتأثّرون من تشريع الحوثيين سيتوجهون لإيداع أموالهم في بنوك المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة

ويجزم العباسي أنّ سلطة الحوثيين في صنعاء أصابت القطاع المصرفي في مقتل، حين أصدرت قانونًا بمنع التعاملات الربوية والذي بدوره أدى إلى شلل الجهاز المصرفي وعمّق التشطير ما يُنذر بكارثة للبنوك التي تواجه الإعسار المالي ومن ثم الإفلاس.

ويرى الاستشاري لبيب شايف أنّ المتأثرين من التشريع الذي أصدره الحوثيون، وخصوصًا الشركات والقطاع الخاص وحتى بعض الأفراد، سيتوجهون لإيداع أموالهم في فروع البنوك التجارية في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا، وذلك بدوره سيعمل على تقوية تلك البنوك، لأنّ البنك المركزي في عدن التي تتخذها الحكومة عاصمة مؤقتة للبلاد سيلعب دورًا فاعلًا في جذب الودائع والمعاملات الخارجية أيضًا.

وحسب الخبير نفسه، فإنّ العمل مع الاقتصاد الخارجي سيجبر البنوك على نقل جزء من إدارة المعاملات والاستثمارات إلى فروعها في مناطق سيطرة الحكومة، وذلك سيؤدي إلى عزل النظام المصرفي في المحافظات الشمالية عن التعاملات المصرفية لأنّ القانون لا يسمح لها بذلك، ونبّه إلى أنّ حجم الأنشطة المصرفية سينكمش بشكل كبير في المحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين وسيبدأ الانهيار في النظام المصرفي.

الحوثيون سيطروا على أكثر من ثلاثة تريليونات ريال من أرصدة حسابات المودعين في البنوك التجارية والإسلامية

أما الحوثيون، فبرّروا من جهتهم إصدار التشريع بأنّ وقف الأرباح على الودائع في البنوك سيجعل المودعين مجبرين على تحريك أموالهم في مشاريع أكثر فائدة. لكن خبراء يقولون إنّ القانون، وإلى جانب تكريسه الانقسام في البلاد التي تعيش في حرب متواصلة منذ تسعة أعوام، لا يوفر أي بدائل للفوائد البنكية، كما أنّ البلاد تفتقر إلى نظام قضائي تجاري قوي وحماية التعاملات الاستثمارية البنكية.

ويعتقد الخبراء أنّ الأهم من هذه الخطوة، إيجاد نظام إداري شفاف خالٍ من الفساد والمضايقة للاستثمارات من خلال فرض الجبايات المتعددة والرسوم المتنوعة.

وكانت بيانات اقتصادية حديثة قد أظهرت أنّ الحوثيين سيطروا على أكثر من ثلاثة تريليونات ريال من أرصدة حسابات المودعين في البنوك التجارية والإسلامية منذ سيطرتهم على صنعاء في النصف الثاني من عام 2014، وأنهم جمّدوا أرصدة البنوك الإلزامية القانونية لدى البنك المركزي وأرصدة الحسابات الجارية التي كانت تُستخدم لعمليات المقاصة بين البنوك بمبلغ تريليون و134 مليار ريال.

وعن آثار تطبيق ما سُمي بقانون منع المعاملات الربوية، يذكر اقتصاديون أنه أدى إلى تحويل أرصدة استثمارات البنوك في أدوات الدين العام بمبلغ تريليون و800 مليار ريال إلى حسابات جارية جديدة تم تجميدها بحيث لا يمكن السحب منها. وخلصوا إلى أنّ إجمالي المبالغ المجمّدة من قِبَل الحوثيين تقارب أربعة تريليونات ريال، 80% منها قيمة ودائع العملاء لدى البنوك والتي تُقدّر بثلاثة تريليونات و800 مليار ريال.

وإلى جانب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقطاع المصرفي جراء تشريع منع التعاملات الربوية، فإنه، حسب خبراء ورجال أعمال، يضع عقبات إضافية أمام أي جهد لتوحيد النظام المصرفي المنقسم في البلاد منذ نحو تسعة أعوام. ويعتقد مسؤولون في الحكومة المعترف بها دوليًا أنّ هذا الإجراء يفتح الباب أمام إنشاء صندوق "القرض الحسن" على غرار ما قام به "الحرس الثوري" الإيراني بغرض إيجاد مصادر تمويل مجانية لأنشطة الجماعة الفكرية وعملياتها العسكرية.

هذا الإجراء يفتح الباب أمام إنشاء صندوق "القرض الحسن" لتمويل أنشطة جماعة الحوثي وعملياتها العسكرية

وذكرت تقارير حكومية أنّ الحوثيين سيطروا على أرصدة وحسابات بنكية في البنوك التجارية والإسلامية في اليمن لأكثر من 1000 حساب خاص، إما لشخصيات سياسية في الحكومة أو رجال أعمال يُتهمون بمعارضة سيطرتهم على أجزاء من البلاد، وأكدت أنّ هذه الخطوة تمت بموجب تعليمات من النيابة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة وبدون أحكام قضائية.

وفي محاولة من البنوك التجارية لاستئناف أنشطتها، بدأت العمل على تشكيل إدارات إقليمية منفصلة في مناطق سيطرة الحكومة، بحيث يكون مقرها العاصمة المؤقتة عدن، وذكرت مصادر اقتصادية أنّ هذه البنوك بدأت في فتح أبوابها أمام الودائع والقروض، وتمويل المشروعات لجميع السكان حتى أولئك الذين يعيشون في مناطق سيطرة الحوثيين.

وبيّنت مصادر مصرفية أنّ المودعين، لا سيما الشركات والقطاع الخاص وحتى بعض الأفراد، توجهوا لإيداع أموالهم في فروع البنوك بالمحافظات الخاضعة لسيطرة الحكومة، بخاصة وأنّ التعاملات البنكية مع الخارج محصورة حتى الآن بتلك المناطق، كما أنّ فتح الاعتمادات المستندية محتكر على البنوك العاملة في مناطق سيطرة الحكومة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن