الإقليم عنصر أساس من عناصر الدولة. هو تلك المساحة التي تشغلها الدولة من سطح كوكب الأرض، وغلافها الجوي. جغرافياً: معظم دول العالم يشتمل إقليمها على جزء يابسة وآخر مائي. هناك دول تسمى، إقليمياً، دولاً داخلة، تلك التي لا يشتمل إقليمها على مسطحات مائية (بحار)، محاذية لليابسة. لكن، ليست كل الدول المطلة على بحار تُعد دولاً ساحلية. هناك دولٌ تطل على بحارٍ، وتظلُ دولاً داخلة، كتلك التي تطل على بحارٍ مغلقة، مثل أذربيجان، المطلة على بحر قزوين.
من الناحية الإستراتيجية، ليست كل دولة مطلة على بحر، يمكن القول: إنها دولة ساحلية أو شاطئية. أي دولة لا تطل مباشرة على أعالي البحار المفتوحة، يمكن اعتبارها استراتيجياً، دولاً داخلة، حتى لو كان إقليمها يقع على سواحل بحار ممتدة. دول مجلس التعاون عدا عُمان، والسودان، في حقيقة الأمر: رغم امتداد بعض جهات حدودها الإقليمية، على البحر، إلا أنها استراتيجياً تُعَدُ دولاً داخلة، لأن موانئها لا تطل مباشرة على أعالي البحار.
روسيا، أكبر دولة مساحةً، هي من الناحية الاستراتيجية دولة داخلة. موانئ روسيا على البحر الأسود، لا تنفذ مباشرة على أعالي البحار. وعلى السفن الروسية، التي تبحر من البحر الأسود، المرور عبر مضيقي البوسفور والدردنيل لتدخل البحر المتوسط، الذي هو بحرٌ شبه مغلق، بمضيق جبل طارق، غرباً. جنوب شرق البحر المتوسط، تقع قناة السويس، التي تُفْضِي إلى مضيق باب المندب، لتتمكن السفن الروسية النفاذ لأعالي البحار. شرقاً: ميناء فيلادوفوستك على المحيط الهادي غير قابل للملاحة، ثمانية أشهر في السنة، بسبب الجليد.
العبرة، استراتيجياً، إذن: بالإطلالة المباشرة على أعالي البحار، دون ما الاضطرار للمرور من مضائق طبيعية أو اصطناعية. تاريخياً: كل الدول الكبرى ذات النزعة التوسعية الاستعمارية هي دول تقع أقاليمها على شواطئ دافئة قابلة للملاحة طوال السنة، مطلة مباشرة على أعالي البحار، مثل: إسبانيا، البرتغال، فرنسا، بريطانيا، الولايات المتحدة واليابان. في وقت من الأوقات، كان لعُمان إمارات تابعة لها في الهند وشرق أفريقيا. في المقابل: دول عظمى حَالَ مَوْقِعُ إقليمها أن تتَولد لديها قدرة بحرية للتوسع خارج إقليمها، مثل ألمانيا، فاتجهت للتوسع قارياً، داخل أوروبا. حتى الصين، التي لها إطلالة واسعة ودافئة على المحيط الهادي، تحاول الولايات حصارها، عن طريق التحكم في ممرات ومضائق بحر الصين، شمالاً وجنوباً.
في أوقات الحروب وأزمات التوتر تتضح الأهمية الاستراتيجية لموقع إقليم الدولة، إذا ما كانت تطل سواحلها على أعالي البحار مباشرة، أم لا. معضلة تعاني منها دول في المنطقة، مثل العراق وإسرائيل والأردن ومعظم دول مجلس التعاون، وحتى مصر. العراق تعاني، وستظل تعاني من جغرافية موقع إقليمها. فشلت محاولات العراق التوسعية في الستينات والتسعينات، حيث تُطِلُ جنوباً بمساحة ضيقة وضحلة على الخليج العربي. سيظل موقع العراق يسبب هاجساً أمنياً لبغداد، طالما أن العراق محاصر بحدود تضاريسية وعرة من كل الجهات، عدا إطلالة ضيقة وضحلة على رأس الخليج العربي.
إسرائيلُ، في حربها على غزة، تعاني من مشكلة استراتيجية خطيرة، بسبب موقعها الجغرافي، الذي يُطِلُ على خليج العقبة جنوباً، إطلالة ضيقة، تقابلها جنوباً مضائق تيران، التي تُفضي إلى البحر الأحمر، الذي بدوره ينتهي جنوباً بمضيق باب المندب. بسبب هذا التعقيد المركب لإطلالة إسرائيل الجنوبية، تَعَطَّلَ تماماً ميناؤها الوحيد هناك (إيلات). زاد من تعقيد الحصار البحري جنوباً على إسرائيل استهداف السفن المتجهة منها وإليها، عند مدخل البحر الأحمر. علينا أن لا ننسى أن من أهم مبررات عدوان إسرائيل في حرب ١٩٦٧ إغلاق مصر مضائق تيران، الذي اعتبرته - حينها - بمثابة إعلان حرب عليها.
التهديد بإغلاق مضيق جبل طارق في وجه الملاحة الإسرائيلية إجراء محتمل، يُظهر كم هو الأمرُ معقداً من الناحية الاستراتيجية، بالنسبة للدول التي ليس لإقليمها إطلالة مباشرة على أعالي البحار.
كما تشكل إطلالةُ إقليمِ الدولة على البحار قيمة إضافية لأمنها في أوقات السلم والحرب، تشكل جغرافية إقليمها السياسية عبئاً أمنياً مركباً، إذا ما كان إقليم الدولة لا تطل سواحل مياهه الدافئة القابلة للملاحة، طوال العام، على أعالي البحار، مباشرةً.
بهذه الميزة الملاحية (الجيوسياسية) التنافسية لإقليم الدولة تتفاوت قدرات الدول الدفاعية والأمنية والتجارية في أوقات السلم والحرب.
("عكاظ") السعودية