ولم يكد يمضي يومًا على تلك التصريحات التي أثارت تحفظ الأمريكيين والأوروبيين، حتى انضم وزير التراث عميحاي إلياهو إلى هيستريا التطرّف المهيمنة على الحكومة الحالية وغالبية الإسرائيليين، قائلًا إنه لا بد من "إيجاد طرق مؤلمة أكثر من الموت لسكان غزّة عقابًا لهم على هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي"، معلنًا دعمه للجهود التي يقوم بها وزراء ومسؤولين في الحكومة الحالية للتفاوض مع دول متعددة في العالم لقبول تهجير الفلسطينيين إليها.
نتنياهو يدعم تنفيذ مخطط التهجير ويرفض إدانة وزرائه وحلفائه "دواعش" إسرائيل
أما وزيرة الاستخبارات جيلا جامليل فكتبت مقالًا في "جيروزاليم بوست" تصف فيه التهجير القسري للفلسطينيين بـ"الهجرة الإنسانية"، وقالت إنه "بدلًا من ضخ الأموال من أجل إعادة بناء غزّة لمنظمة الأونروا الفاشلة، فإنّ المجتمع الدولي يمكنه المساعدة في تحمّل نفقات إعادة التوطين ومساعدة شعب غزّة في بناء حيوات جديدة في البلاد الجديدة التي ستستضيفهم".
وبتبجح شديد، أكدت الوزيرة الإسرائيلية أنه لا يمكن السماح للغزّيين البقاء في القطاع "كي يعلّموا أولادهم الكراهية"، فذلك من وجهة نظرها يعني أنّ "الهجمات ضد إسرائيل ستصبح مسألة وقت".
المبكي المضحك في البيانات الرسمية الأمريكية والأوروبية هي أنها وجّهت خطابها لحكومة الكيان، مطالبةً رئيس الوزراء باستنكار تلك التصريحات ونفيها، متجاهلةً أنّ نتنياهو يرفض إدانة وزرائه وحلفائه "دواعش" إسرائيل، وأنه شخصيًا يدعم تنفيذ مخطط التهجير، الحلم التاريخي للآباء المؤسّسين للدولة الصهيونية، والذي طالما روّجوا له واعتبروه الحلّ المثالي لمأساة الشعب الفلسطيني.
ووفقًا لما تناقلته وسائل الإعلام الصهيونية، فإنّ نتنياهو تحدّث في أحد الاجتماعات الحكومية مؤخرًا عن رؤيته لـ"سيناريو الاستسلام والتهجير"، وقال قبل أسبوع لنواب حزبه "الليكود" إنه يعمل على تسهيل التهجير الطوعي للغزّيين إلى دول أخرى.
وحصر نتنياهو المشكلة في عدم وجود دول تستوعب الغزّيين، كما نقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤولين في الحكومة قولهم إنّ سياسة إعادة توطين سكان غزّة "تتحوّل ببطء إلى سياسية رسمية للحكومة"، التي كشف مسؤول رفيع المستوى فيها أنّ إسرائيل قد عقدت محادثات مع عدة دول من أجل حثّها على قبول استيعابهم، وأضافت أن تل أبيب ناقشت بالفعل هذا السيناريو مع حكومة الكونغو، كما يأملون أن يتضمن أي اتفاق مقبل للتطبيع مع السعودية الموافقة على استقبال أعداد كبيرة من سكان غزّة، وذلك بزعم المساهمة في عملية البناء النشطة التي تشهدها المملكة في السنوات الأخيرة.
أما سوميتريتش الذي ترفض الإدارة الأمريكية الحالية استقباله بصفته الرسمية، ومعه بن غفير باعتبارهما أعضاء في منظمة صنّفتها واشنطن إرهابية قبل سنوات عديدة، هي منظمة كاهانا المتطرّفة، فلقد استخف بالانتقادات الأمريكية والأوروبية قائلًا إنّ "70% من الإسرائيليين يدعمون فكرة التهجير الطوعي وذلك لأنّ 2 مليون إنسان يفيقون كل صباح في غزّة وهم يتمنون تدمير دولة إسرائيل".
الصهاينة لن يتخلّوا أبدًا عن هذا الحلم ما يستوجب الانتباه الدائم والدفع المضاد نحو إقامة الدولة الفلسطينية
طوال سنوات طويلة قضيتُها مراسلًا صحفيًا في الولايات المتحدة، كنتُ دائمًا ما أستمع للحجج الصهيونية المسمّمة التي تتلاعب بكل الحقائق، وخلاصتها: ألستم تقولون إنكم عرب ويجمعكم التاريخ والمصير المشترك؟، ما الذي سيضيركم إذن أن تتركوا لنا أرض فلسطين كدولة يهودية خالصة، بينما تقوم الدول العربية المتعددة باستضافة الفلسطينيين.. أنتم 22 دولة عربية، بينما لا توجد سوى دولة واحدة لليهود".
وكنت أرد عليهم قائلًا، ولماذا لا تقيمون دولتكم في نيويورك حيث تمثّلون نسبة معتبَرة من سكان الولاية ويقترب عدد اليهود في نيويورك من عدد سكان الكيان الصهيوني؟ وفي النهاية الولايات المتحدة دولة كبيرة وممتدة يتجاوز سكانها الثلاثمائة وثلاثين مليونًا، فما الذي سيضيرها لو قبلت استضافة كل يهود العالم في إحدى الولايات ولتنتهي بذلك مشكلتنا نحن معكم في الشرق الأوسط حيث تتواجدون كجسد غريب مزروع وسط محيط من العرب الذين لا يرغبون في وجودكم. أو ربما نجد لكم قطعة من ألمانيا أكبر الدول الأوروبية والتي تتحمّل الوزر الأكبر في الرغبة من التخلّص من اليهود أثناء حكم النازيين، وبدلًا من أن يكون أعضاء الاتحاد الأوروبي 27 دولة، فمن المؤكد أنه في ضوء حبهم وتأييدهم المفرط لكم، لن يمانعوا أن يكون العدد 28 دولة، كم يبدو هذا الأمر سهلًا وبسيطًا وإنسانيًا.
قد يبدو سيناريو التهجير صعب التطبيق من الناحية العملية الآن وبشكل فوري، خاصة في ضوء الموقف المصري الرسمي الصارم في رفضه لمثل هذه الخزعبلات الصهيونية والقول صراحة إنّ الإقدام على تلك الخطوة سيعني الانتهاء الرسمي لمعاهدة السلام المكروهة بين البلدين، وكذلك تنامي الوعي العالمي بمأساة الشعب الفلسطيني وإدراكه أنه يعيش في ظلّ احتلال عنصري بغيض، ولكن الصهاينة لن يتخلّوا أبدًا عن هذا الحلم والسيناريو، وهو ما يستوجب الانتباه الدائم والدفع المضاد نحو حل إقامة الدولة الفلسطينية الذي يبدو الآن أقرب من أي وقت مضى.
(خاص "عروبة 22")