صحافة

العلاقات الخليجية – الروسية: تحديات وآفاق مفتوحة!

فوزية رشيد

المشاركة
العلاقات الخليجية – الروسية: تحديات وآفاق مفتوحة!

منذ‭ ‬مذكرة‭ ‬التفاهم‭ ‬للحوار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬في‭ ‬نوفمبر‭ ‬2011‭ ‬بين‭ ‬المنظومة‭ ‬الخليجية‭ ‬وروسيا،‭ ‬فإن‭ ‬العلاقات‭ ‬تشهد‭ ‬خطاً‭ ‬تصاعديا،‭ ‬قد‭ ‬تنتج‭ ‬الانتقال‭ ‬مع‭ ‬الوقت‭ ‬من‭ ‬التعاون‭ ‬إلى‭ ‬التكامل‭ ‬إلى‭ ‬التحالف‭! ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الأرضية‭ ‬القائمة‭ ‬التي‭ ‬يخطو‭ ‬عليها‭ ‬الطرفان،‭ ‬تشهد‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬التعاون‭ ‬وفق‭ ‬المصالح‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والتجارية،‭ ‬توافقاً‭ ‬في‭ ‬الرؤى‭ ‬والقيم‭ ‬والمبادئ‭ ‬المتقاربة‭ ‬من‭ ‬مجمل‭ ‬المتغيرات‭ ‬سواء‭ ‬السياسية‭ ‬الدولية‭ ‬‮«‬نحو‭ ‬تعدّدية‭ ‬الأقطاب‮»‬،‭ ‬أو‭ ‬الاقتصادية‭ ‬نحو‭ ‬رؤية‭ ‬تتفوق‭ ‬فيها‭ ‬الرؤية‭ ‬التنموية‭ ‬بعيداً‭ ‬عن‭ ‬بيئة‭ ‬الصراعات‭ ‬والأزمات‭ ‬التي‭ ‬تصنعها‭ ‬قوى‭ ‬كبرى‭ ‬أخرى‭ ‬في‭ ‬العالم‭! ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬الرؤى‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والقيمية‭ ‬والحقوقية،‭ ‬التي‭ ‬تشهد‭ ‬انتكاسات‭ ‬كبيرة‭ ‬في‭ ‬الغرب‭ ‬ويُراد‭ ‬تصديرها‭ ‬إلى‭ ‬المنطقة‭ ‬والعالم،‭ ‬وحيث‭ ‬تقف‭ ‬المنظورات ‭‬‮«‬الثقافية‮»‬‭ ‬وتبادلها‭ ‬في‭ ‬مساحة‭ ‬من‭ ‬التقارب‭ ‬العربي‭ ‬–‭ ‬الخليجي‭ ‬مع‭ ‬روسيا‭ ‬مع‭ ‬وطأة‭ ‬اكتساح‭ ‬الانحرافات‭ ‬كمفاهيم‭ ‬للعالم‭ ‬كله‭!‬

‬لكل‭ ‬تلك‭ ‬العوامل‭ ‬وغيرها‭ ‬أيضاً،‭ ‬تشهد‭ ‬محاولات‭ ‬بناء‭ ‬علاقات‭ ‬قوية‭ ‬ووثيقة،‭ ‬تطورات‭ ‬مشهودة،‭ ‬لأن‭ ‬الأساس‭ ‬فيها‭ ‬خدمة‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬للجانبين‭ ‬على‭ ‬جميع‭ ‬الأصعدة‭ ‬والمجالات،‭ ‬وآفاق‭ ‬تلك‭ ‬العلاقات‭ ‬وتطورها‭ ‬هي‭ ‬آفاق‭ ‬مفتوحة،‭ ‬قد‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬تحالفات‭ ‬استراتيجية‭ ‬كاملة،‭ ‬وخاصة‭ ‬أن‭ ‬الطرف‭ ‬الروسي‭ ‬يؤكد‭ ‬دائماً‭ ‬أن‭ ‬آفاق‭ ‬التعاون‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة‭ ‬وحدها،‭ ‬وعلى‭ ‬احترام‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬المتعاونة‭ ‬معها،‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬أو‭ ‬فرض‭ ‬أجندات‭ ‬خاصة‭ ‬عليها،‭ ‬كما‭ ‬يفعل‭ ‬الغرب‭ ‬مثلاً‭ ‬مع‭ ‬حلفائه‭!‬

‬الإثنين‭ ‬الماضي‭ ‬10‭ ‬يوليو،‭ ‬انعقد ‬الاجتماع‭ ‬الوزاري‭ ‬المشترك‭ ‬السادس‭ ‬للحوار‭ ‬الاستراتيجي‭ ‬بين‭ ‬دول‭ ‬مجلس‭ ‬التعاون‭ ‬الست‭ ‬وروسيا‭ ‬في‭ ‬العاصمة  ‬‮«‬موسكو‮»‬،‭ ‬وتم‭ ‬إدراج‭ ‬مناقشة‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الموضوعات‭ ‬تلك‭ ‬التي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليها،‭ ‬والتي‭ ‬تهدف‭ ‬إلى‭ ‬زيادة‭ ‬التعاون‭ ‬المشترك‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وتبادل‭ ‬وجهات‭ ‬النظر،‭ ‬حول‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الملفات‭ ‬الإقليمية‭ ‬والدولية‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬ذكر‭ ‬بعضها‭ ‬في ‭‬‮«‬البيان‭ ‬المشترك‮»‬ ‭ ‬حول‭ ‬تحقيق‭ ‬المصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬وتعزيز‭ ‬العلاقات‭ ‬والثقة‭ ‬المتبادلة‭ ‬والتعاون‭ ‬بين‭ ‬الجانبين. ‬كما‭ ‬شدّد‭ ‬البيان‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬التحديات‭ ‬والأزمات‭ ‬بالحوار‭ ‬وعدم‭ ‬استخدام‭ ‬القوة‭ ‬واحترام‭ ‬سيادة‭ ‬الدول‭ ‬وعدم‭ ‬التدخل‭ ‬في‭ ‬شؤونها‭ ‬الداخلية،‭ ‬وأهمية‭ ‬دعم‭ ‬الاقتصاد‭ ‬العالمي‭ ‬واستقرار‭ ‬أسواق‭ ‬النفط‭.‬ و«البيان‭ ‬المشترك‮»‬ ‭ ‬أكد‭ ‬أيضاً‭ ‬أهمية‭ ‬استئناف‭ ‬عملية‭ ‬السلام،‭ ‬للتوصل‭ ‬إلى‭ ‬حل‭ ‬عادل‭ ‬للقضية‭ ‬الفلسطينية،‭ ‬مبديًا‭ ‬قلق‭ ‬الأطراف‭ ‬كلها‭ ‬البالغ‭ ‬حول‭ ‬الغارات‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬وآخرها‭ ‬في‭ ‬‮«‬جنين‮».

 ‬ودول‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬تؤكد‭ ‬بناء‭ ‬العلاقات‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الدول‭ ‬والتجمعات‭ ‬الإقليمية،‭ ‬وتكثيف‭ ‬التواجد‭ ‬الخليجي‭ ‬إقليمياً‭ ‬ودولياً،‭ ‬وبناء‭ ‬الشراكات‭ ‬الاستراتيجية،‭ ‬فإنها‭ ‬حتماً‭ ‬ستكون‭ ‬أكثر‭ ‬انفتاحاً‭ ‬على‭ ‬الدول‭ ‬أو‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى،‭ ‬التي‭ ‬تحترم‭ ‬السيادة‭ ‬والاستقلالية‭! ‬ولها‭ ‬مصداقية‭ ‬ووثوقية‭ ‬في‭ ‬تحالفاتها‭ ‬القائمة‭ ‬على‭ ‬مصالح‭ ‬مشتركة‭ ‬قابلة‭ ‬للدوام‭ ‬والتوسّع‭!‬ خاصة‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬خلفيتها‭ ‬قائمة‭ ‬على‭ ‬المبادئ‭ ‬والقيم‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والإنسانية‭ ‬المشتركة،‭ ‬واحترام‭ ‬الدين،‭ ‬والتي‭ ‬عبّر‭ ‬عنها ‭‬‮«‬بوتين»‬‭ ‬مؤخراً‭ ‬في‭ ‬موقفه‭ ‬من‭ ‬حرق‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم،‭ ‬وخطاباته‭ ‬المتكررّة‭ ‬حول‭ ‬رفض‭ ‬‮ «المنظومة‭ ‬المفاهيمية‭ ‬المختلّة»‬‭ ‬لدى‭ ‬الغرب،‭ ‬وحول‭ ‬الانحرافات‭ ‬القيمية‭ ‬والأخلاقية،‭ ‬وتكريس‭ ‬زواج‭ ‬الشواذ‭ ‬عبر‭ ‬القانون،‭ ‬ودعم‭ ‬التحوّل‭ ‬الجنسي‭.. ‬إلخ‭!‬

‬إن‭ ‬تحالف‭ ‬قوى‭ ‬الشرق،‭ ‬والخليج‭ ‬ودوله‭ ‬في‭ ‬طور‭ ‬النمو‭ ‬المتصاعد،‭ ‬واحتلال‭ ‬مقعد‭ ‬مهم‭ ‬في‭ ‬‮ «التعددية‭ ‬القطبية»‬‭ ‬حتماً‭ ‬يؤرق‭ ‬الغرب،‭ ‬الذي‭ ‬يسعى‭ ‬بكل‭ ‬الوسائل‭ ‬للبقاء‭ ‬في‭ ‬المنظومة‭ ‬الدولية‭ ‬القديمة! ومعايير‭ ‬الهيمنة‭ ‬وفرض‭ ‬قيمه‭ ‬وثقافته،‭ ‬والتدخّل‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الداخلية‭ ‬للدول‭ ‬باسم‭ ‬نشر‭ ‬الديمقراطية‭ ‬والحريات،‭ ‬التي‭ ‬أصبحت‭ ‬اليوم‭ ‬مهترئة‭ ‬حتى‭ ‬داخل‭ ‬معاقلها‭ ‬الغربية! ‬ولعل‭ ‬أهم‭ ‬التحديات‭ ‬التي‭ ‬يواجهها‭ ‬الانفتاح‭ ‬الخليجي‭ ‬على‭ ‬القوى‭ ‬الكبرى‭ ‬الأخرى،‭ ‬هو‭ ‬سعي‭ ‬الغرب‭ ‬لعرقلة‭ ‬ذلك! ‬حتى‭ ‬إن‭ ‬باءت‭ ‬محاولاته‭ ‬بالفشل،‭ ‬وخاصة‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬التطورات‭ ‬النوعية‭ ‬التي‭ ‬تشهدها‭ ‬السعودية‭ ‬كأكبر‭ ‬الدول‭ ‬الخليجية،‭ ‬وتشهدها‭ ‬دول‭ ‬الخليج‭ ‬الأخرى‭!‬

‬المتغيرات‭ ‬قادمة‭ ‬بقوة‭ ‬على‭ ‬مجمل‭ ‬النظام‭ ‬العالمي،‭ ‬واقتصاده‭ ‬ومراكزه‭ ‬المالية،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬اتفاقيات‭ ‬مثل‭ ‬‮«‬شنغهاي» ‬‭ ‬و«بريكس»‬‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬اتفاقيات‭ ‬بين‭ ‬الأقطاب‭ ‬الجديدة‭ ‬الصاعدة‭ ‬بقوة،‭ ‬لاحتلال‭ ‬مراكزها‭ ‬في‭ ‬العالم‭ ‬الجديد،‭ ‬ولعل ‬تحالف‭ ‬قوى‭ ‬الشرق، ‬من‭ ‬الأهمية‭ ‬بمكان،‭ ‬بحيث‭ ‬يسهم‭ ‬في‭ ‬تسارع‭ ‬وتيرة‭ ‬تلك‭ ‬التحولات‭ ‬العالمية،‭ ‬بما‭ ‬يفيد‭ ‬رؤى ‬‮«‬التنمية‭ ‬التكاملية»‬‭ ‬بين‭ ‬الدول،‭ ‬والمصالح‭ ‬المشتركة،‭ ‬ولدى‭ ‬الخليج‭ ‬العربي‭ ‬ودوله،‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الإمكانيات‭ ‬سواء‭ ‬الاقتصادية‭ ‬أو‭ ‬البشرية‭ ‬أو‭ ‬الثروات،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬المنظومة‭ ‬الأخلاقية‭ ‬والدينية‭ ‬والتاريخ‭ ‬العريق،‭ ‬والتي‭ ‬بها‭ ‬معاً‭ ‬بإمكانه‭ ‬أن‭ ‬يشكل‭ ‬قطباً‭ ‬قوياً‭ ‬في‭ ‬ساحة‭ ‬التحولات‭ ‬الدولية! ‬ وهو‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬أشرنا‭ ‬إليه‭ ‬مراراً،‭ ‬وخاصة‭ ‬مع‭ ‬تنويع‭ ‬الشراكات‭ ‬والتحالفات‭ ‬مع‭ ‬القوى‭ ‬الدولية،‭ ‬والانفتاح‭ ‬أكثر‭ ‬على‭ ‬قوى‭ ‬الشرق،‭ ‬التي‭ ‬أهمل‭ ‬العرب‭ ‬عموماً‭ ‬أهمية‭ ‬التوجه‭ ‬إليها،‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬الاقتصار‭ ‬على‭ ‬الاتجاه‭ ‬غرباً‭ ‬كأولوية‭ ‬مفضلة‭ ‬لعقود‭ ‬طويلة،‭ ‬أنتجت‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬التدخلات‭ ‬في‭ ‬الشؤون‭ ‬الخليجية‭ ‬والعربية! ‬ والتاريخ‭ ‬درس‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬استيعابه‭ ‬لبناء‭ ‬الحاضر‭!‬

(أخبار الخليج)

يتم التصفح الآن