منذ مذكرة التفاهم للحوار الاستراتيجي في نوفمبر 2011 بين المنظومة الخليجية وروسيا، فإن العلاقات تشهد خطاً تصاعديا، قد تنتج الانتقال مع الوقت من التعاون إلى التكامل إلى التحالف! وخاصة أن الأرضية القائمة التي يخطو عليها الطرفان، تشهد إلى جانب التعاون وفق المصالح الاقتصادية والتجارية، توافقاً في الرؤى والقيم والمبادئ المتقاربة من مجمل المتغيرات سواء السياسية الدولية «نحو تعدّدية الأقطاب»، أو الاقتصادية نحو رؤية تتفوق فيها الرؤية التنموية بعيداً عن بيئة الصراعات والأزمات التي تصنعها قوى كبرى أخرى في العالم! إلى جانب الرؤى الأخلاقية والقيمية والحقوقية، التي تشهد انتكاسات كبيرة في الغرب ويُراد تصديرها إلى المنطقة والعالم، وحيث تقف المنظورات «الثقافية» وتبادلها في مساحة من التقارب العربي – الخليجي مع روسيا مع وطأة اكتساح الانحرافات كمفاهيم للعالم كله!
لكل تلك العوامل وغيرها أيضاً، تشهد محاولات بناء علاقات قوية ووثيقة، تطورات مشهودة، لأن الأساس فيها خدمة المصالح المشتركة للجانبين على جميع الأصعدة والمجالات، وآفاق تلك العلاقات وتطورها هي آفاق مفتوحة، قد تصل إلى تحالفات استراتيجية كاملة، وخاصة أن الطرف الروسي يؤكد دائماً أن آفاق التعاون قائمة على المصالح المشتركة وحدها، وعلى احترام سيادة الدول المتعاونة معها، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، أو فرض أجندات خاصة عليها، كما يفعل الغرب مثلاً مع حلفائه!
الإثنين الماضي 10 يوليو، انعقد الاجتماع الوزاري المشترك السادس للحوار الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون الست وروسيا في العاصمة «موسكو»، وتم إدراج مناقشة عدد من الموضوعات تلك التي أشرنا إليها، والتي تهدف إلى زيادة التعاون المشترك من جهة، وتبادل وجهات النظر، حول عدد من الملفات الإقليمية والدولية كما تم ذكر بعضها في «البيان المشترك» حول تحقيق المصالح المشتركة، وتعزيز العلاقات والثقة المتبادلة والتعاون بين الجانبين. كما شدّد البيان على مواجهة التحديات والأزمات بالحوار وعدم استخدام القوة واحترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وأهمية دعم الاقتصاد العالمي واستقرار أسواق النفط. و«البيان المشترك» أكد أيضاً أهمية استئناف عملية السلام، للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية، مبديًا قلق الأطراف كلها البالغ حول الغارات الإسرائيلية وآخرها في «جنين».
ودول الخليج العربي تؤكد بناء العلاقات مع جميع الدول والتجمعات الإقليمية، وتكثيف التواجد الخليجي إقليمياً ودولياً، وبناء الشراكات الاستراتيجية، فإنها حتماً ستكون أكثر انفتاحاً على الدول أو القوى الكبرى، التي تحترم السيادة والاستقلالية! ولها مصداقية ووثوقية في تحالفاتها القائمة على مصالح مشتركة قابلة للدوام والتوسّع! خاصة إذا كانت خلفيتها قائمة على المبادئ والقيم الأخلاقية والإنسانية المشتركة، واحترام الدين، والتي عبّر عنها «بوتين» مؤخراً في موقفه من حرق القرآن الكريم، وخطاباته المتكررّة حول رفض «المنظومة المفاهيمية المختلّة» لدى الغرب، وحول الانحرافات القيمية والأخلاقية، وتكريس زواج الشواذ عبر القانون، ودعم التحوّل الجنسي.. إلخ!
إن تحالف قوى الشرق، والخليج ودوله في طور النمو المتصاعد، واحتلال مقعد مهم في «التعددية القطبية» حتماً يؤرق الغرب، الذي يسعى بكل الوسائل للبقاء في المنظومة الدولية القديمة! ومعايير الهيمنة وفرض قيمه وثقافته، والتدخّل في الشؤون الداخلية للدول باسم نشر الديمقراطية والحريات، التي أصبحت اليوم مهترئة حتى داخل معاقلها الغربية! ولعل أهم التحديات التي يواجهها الانفتاح الخليجي على القوى الكبرى الأخرى، هو سعي الغرب لعرقلة ذلك! حتى إن باءت محاولاته بالفشل، وخاصة في ظل التطورات النوعية التي تشهدها السعودية كأكبر الدول الخليجية، وتشهدها دول الخليج الأخرى!
المتغيرات قادمة بقوة على مجمل النظام العالمي، واقتصاده ومراكزه المالية، مع ظهور اتفاقيات مثل «شنغهاي» و«بريكس» وغيرها من اتفاقيات بين الأقطاب الجديدة الصاعدة بقوة، لاحتلال مراكزها في العالم الجديد، ولعل تحالف قوى الشرق، من الأهمية بمكان، بحيث يسهم في تسارع وتيرة تلك التحولات العالمية، بما يفيد رؤى «التنمية التكاملية» بين الدول، والمصالح المشتركة، ولدى الخليج العربي ودوله، الكثير من الإمكانيات سواء الاقتصادية أو البشرية أو الثروات، إلى جانب المنظومة الأخلاقية والدينية والتاريخ العريق، والتي بها معاً بإمكانه أن يشكل قطباً قوياً في ساحة التحولات الدولية! وهو الأمر الذي أشرنا إليه مراراً، وخاصة مع تنويع الشراكات والتحالفات مع القوى الدولية، والانفتاح أكثر على قوى الشرق، التي أهمل العرب عموماً أهمية التوجه إليها، بدلا من الاقتصار على الاتجاه غرباً كأولوية مفضلة لعقود طويلة، أنتجت الكثير من التدخلات في الشؤون الخليجية والعربية! والتاريخ درس لا بد من استيعابه لبناء الحاضر!
(أخبار الخليج)