تعاني عدة دول عربية من مخاطر التغيّرات المناخية، سواء كانت مباشرة، مثل التصحّر والجفاف والحرائق والفيضانات، أو بشكل غير مباشر، ومن ذلك تدفق المهاجرين المتضررين من التغيّرات المناخية في أفريقيا أو آسيا بشكل أكبر مستقبلًا.
أما التهديد الثاني، ضمن مؤشر النورماندي، فهو الأمن السيبراني، ويتم قياسه استنادًا إلى مؤشر الأمن السيبراني في العالم (Global cyber Security)، الذي يقوم بقياس مستوى التزام الدول في مجال الأمن السيبراني والتوعية بالمخاطر الناجمة عن فقدانه؛ وهو يصدر عن الاتحاد الدولي للاتصالات ويغطي حوالى 194 دولة.
مفهوم الديمقراطية لا يمكن حصره في المظهر الانتخابي
ويلاحظ بأنّ السعودية استطاعت تحقيق المرتبة الثانية عالميًا في مجال الأمن السيبراني واحتلّت دولة الإمارات العربية المتحدة المرتبة الخامسة عالميًا، وجاءت دول عربية أخرى في المراتب ما بعد المائة ومن ذلك السودان (102) والجزائر(104) ولبنان ) 109) وليبيا (113) وفلسطين (122) وسوريا (126) والعراق (129) وموريتانيا (133) والصومال (137) وجزر القمر (175) وجيبوتي (179) واليمن (182) بينما احتلت سلطنة عمان المرتبة (21) وجمهورية مصر ) (23 وقطر ) 27 ( وتونس 45) ( والمغرب 50) ( والبحرين (60) والكويت (65) والأردن 71)). ولا زالت الدول العربية في مجملها، تواجه مخاطر الهجوم السيبراني، لضعف البنية التحتية والموارد وعدم تطوير آليات التحصين وضعف المخصصات المالية للبحث العلمي والابتكار في المجال، والاعتماد الكلي على شراء تكنولوجيا الأمن الرقمي من الدول الأجنبية، مما يوجب صياغة استراتيجية عربية موحدة، لمواجهة هذا التحدي.
أما التهديد الثالث، فهو جودة الإجراءات الديمقراطية أو المسار الديمقراطي والذي يتم قياسه بناء على مؤشر الديمقراطية التشاركية في بلد ما، ويصدر عن V-Dem (Varieties of Democracy). ويبدو أنّ مشروع "V-Dem"، هو المقاربة الوحيدة، التي تسعى إلى قياس مستوى الديمقراطية في العالم، أخذًا بعين الاعتبار خاصية تعقد مفهوم الديمقراطية والذي لا يمكن حصره في المظهر الانتخابي. ولا شك أنّ جلّ الدول العربية، تحاول إرساء معالم نظام ديمقراطي، وتواجه عدة عوائق في تحقيق ذلك.
وتعتبر الأزمات الاقتصادية، تهديدًا رابعًا، في مؤشر نورماندي، ويعتمد على المعطيات الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي؛ والدول العربية تعاني من الأزمات الاقتصادية، أما بسبب وجود خلل في المنظومة الاقتصادية مثل مصر وتونس ولبنان، أو بسبب الحروب مثل العراق واليمن وسوريا والصومال.
ويُعد كذلك انعدام الأمن الطاقي، من التهديدات الحقيقية وهو التهديد الخامس ويتم قياسه على أساس حجم الاستيراد أو درجة الاستهلاك حسب كل فرد، ويعتمد مؤشر نورماندي على مصدرين للمعطيات، وهما البنك الدولي وEnerdata .
وتعاني الدول الأوروبية من خطورة هذا التهديد، لكنها تملك الموارد المالية لمواجهته، بينما الدول العربية، التي لا تملك موارد مهمة من البترول والغاز الطبيعي، فإنّ فاتورة الطاقة تشكل عبئًا كبيرًا على ميزانيتها وعلى المنظومة الاقتصادية.
أما التهديد السادس، فهو مفهوم الدول الهشة، والذي يعتمد على مؤشر ( Fragile States Index)، الذي يشمل حوالى 178 دولة، والذي يعتمد مقاربة كمية وكيفية، لمختلف الضغوطات التي يمكن أن تواجهها دولة ما، وقدرتها على الصمود والتحمّل. ولا شك أنّ الدول العربية تواجه ضغوطات متعددة، ومنها من بلغ مستوى خطير من الهشاشة، مثل سوريا واليمن والصومال.
تُستعمل الجريمة كآلية لتخريب المجتمعات العربية وغيرها ضمن صراع جيواقتصادي وجيوسياسي وجيوثقافي
وتُعتبر الجريمة بكل أبعادها، تهديدًا سابعًا، حيث تُشكّل مستويات الإجرام تهديدًا حقيقيًا على السلم الاجتماعي وكذلك اقتصاد الدولة وهيبتها وأمنها؛ ويعتمد في قياس ذلك على مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والذي يغطي حوالى 192 دولة، إضافة إلى المعطيات التي يوفرها معهد Gallup والذي يقوم بتصميم استبيان شامل، ينطلق من سؤال محدّد "هل تشعر بأمان وأنت تمشي لوحدك؟"، وذلك من أجل معرفة انطباع المواطنين عن الأمن في بلدانهم.
وإنّ انعدام الأمن، بسبب الجريمة المنظّمة والعابرة للحدود، هو تهديد لجل دول العالم وبتفاوت، لكن الدول العربية أصبحت تعاني من تنامي الجريمة وعصابات المخدرات والسرقة وغير ذلك، ويندرج ذلك ضمن التهديدات الهجينة، حيث تُستعمل الجريمة كآلية لتخريب المجتمعات العربية وغيرها، وذلك ضمن صراع جيواقتصادي وجيوسياسي وجيوثقافي غير معلن أحيانًا.
ويُعد التضليل الإعلامي تهديدًا ثامنًا، حيث تواجه جل الدول ظاهرة الأخبار الكاذبة، والحرب الإعلامية والنفسية، لذا فإنّ مؤشر نورماندي للسلم، يعتمد على المعطيات الصادرة عن مشروع "V-DEM"، لقياس درجة صمود دول ما وتعافيها من التضليل الإعلامي؛ وهو مؤشر يغطي حوالى 179 دولة. والعالم العربي بدون شك يواجه حربًا شرسة تسعى إلى تقويض نفسية شعوبه من خلال التضليل الإعلامي وترويج الأخبار الكاذبة وتأجيج النعرات، وهناك حاجة لبناء استراتيجية عربية وقائية موحّدة، لتفادي آفات هذا التهديد حالًا ومستقبلًا.
ويُعتبر الإرهاب التهديد التاسع ضمن سلسلة التهديدات المحدّدة من طرف مؤشر نورماندي للسلم، ويعتمد على معطيات المؤشر العالمي للإرهاب، الصادر عن معهد الاقتصاد والسلم والذي يغطي حوالى 163. وتعاني عدة دول عربية من الإرهاب، ان لم نقل جلها؛ وتكلفته باهظة، حيث يؤثر على الوضع الأمني والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
"مؤشر نورماندي" مُهم لفهم التهديدات التي يحتاج العالم العربي إلى إدراكها وصياغة استراتيجية موحّدة لمواجهتها
وتعد النزاعات العنيفة بمثابة التهديد العاشر، ويعتمد لقياسه على المؤشر العالمي للسلم، الصادر كذلك عن معهد الاقتصاد والسلم، والذي يمثّل حوالى 163 دولة. وتعاني الدول العربية من النزاعات الحدودية والحروب والقلاقل الداخلية وتدخّل الميليشيات والصراعات الدموية حول السلطة، مثل السودان وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين .
والتهديد الحادي عشر، هو تهديد أسلحة الدمار الشامل، والتي يراد بها الأسلحة الكيماوية والبيولوجية والنووية والإشعاعية وغيرها. وقد تمت صياغة هذا المفهوم أثناء الحرب الباردة، للدلالة على القدرات الهجومية غير التقليدية، ذات مفعول تدميري رهيب؛ وهي تُشكّل تهديدًا للسلم العالمي وليس لبلد معيّن فقط، ويعتمد في قياس هذا التهديد على مؤشر التهديد النووي، والذي يندرج ضمنه كذلك مستوى أمن المنشآت النووية والوقاية من تسرّب الإشعاع النووي.
لقد تمّت صياغة مؤشر نورماندي للسلم، من طرف برلمان الاتحاد الأوروبي، من أجل الاستعانة به، في بناء سياسة خارجية وسياسات عمومية أوروبية، تحفظ للاتحاد الأوروبي أمنه واستقراره بالأساس. ولذا فإنّ مؤشر نورماندي ليس تصنيفًا لمستوى السلم في دول العالم وإنما تشخيص لأنماط تهديد السلم والاستقرار في الدول التي تندرج ضمن رؤية الاتحاد الأوروبي في مجال التعاون والشراكة.
ولا شك أنه مؤشر مُهم لفهم مختلف هذه التهديدات التي يحتاج العالم العربي إلى إدراكها وصياغة استراتيجية موحّدة لمواجهتها وتفادي آفاتها.
لقراءة الجزء الأول: قياس أنماط تهديد السلم في العالم (2/1)
(خاص "عروبة 22")