هل كانت الولايات المُتحدة - ومن خلفها إسرائيل - تظن أنَّ السلام في المنطقة من الممكن أن يُكتبَ بدماء الأبرياء؟ أو أن يُقامَ على الأشلاء؟ إذا كانَ هذا الظن وارداً في رؤية إدارة بايدن فهي بكل تأكيد قد أخطأت التقدير وأساءت التفسير، وخصوصاً إذا كان الطرف المُقابل المملكة العربية السعودية بسياساتها الواضحة ومواقفها الثابتة الراسخة التي تنحاز إلى السلام متى ما كان عادلاً وشاملاً، ومعنى ذلك أن تتوقف آلة القتل والدمار وتُعاد الحقوق لأصحابها لتعم العدالة والاستقرار، ومن دون ذلك يبقى الحديث عن مسار السلام مُجرّد أمانيّ وكلام.
الموقف التاريخي الصادر عن الحكومة السعودية (فجر الأربعاء) بعد ساعات قليلة من مُغادرة وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن؛ جاء ليضع الأمور في نصابها في الوقت الذي حاول البعض تمرير تصورات خاطئة حيال ما سموه «الانفتاح السعودي» على فكرة إقامة علاقات دبلوماسية بإسرائيل، متناسين الحقيقة التاريخية للمُعادلة السياسية السعودية التي تضع الملفات بشكل واضح فوق الطاولة لا تحتها، ولا يختلف ما تقوله داخل الغُرف المُغلقة عما تقوله خارجها.
أجل، السعودية منفتحة على خيار السلام، ولكن ليس من عام 2023 أو قبل أحداث7 أكتوبر (تشرين الأول) فقط، كما تحاول الإدارتان الأميركية والإسرائيلية ترويجه؛ بل كان السلام خيار السعودية منذ 43 عاماً حينما تقدمت بأول مُبادرة سلام في قمة فاس العربية عام 1981. ولا يزال كذلك. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا: ماذا قدمت إسرائيل مُقابل ذلك؟ وما الخطوات التي اتخذتها للتعبير عن إرادة السلام؟ الجواب: لا شيء، فضلاً عن تكثيف العدوان وتوسيع الاستيطان والإمعان في قتل الإنسان.
بيان الخارجية السعودية بشأن مسار السلام (العربي - الإسرائيلي) جاء تاريخياً في توقيته ولغته ووضوحه ومُباشرته وشروطه، فقد رسم خريطة طريق واضحة المعالم كانت فيها الأولوية للاعتراف بالدولة الفلسطينية المُستقلة على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وإيقاف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وانسحاب جميع أفراد (قوات الاحتلال الإسرائيلي) من القطاع، ومن دون ذلك لن تكونَ هناك أي علاقات دبلوماسية بإسرائيل.
اليوم، وضع السعوديون العالم أجمع (وتحديداً الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن) أمام مسؤولية تاريخية وأخلاقية، من خلال الدعوة إلى المُسارعة بالاعتراف بالدولة الفلسطينية المُستقلة، لتختبر بذلك مدى انحيازهم للعدالة والسلام والحقوق المشروعة دون إرجاء أو تسويف أو تردد أو تخويف، فالفلسطينيون مثل أي شعب في العالم يستحقون العيش بكرامة والتمتع بالعدالة.
من المهم أن تعي الإدارة الأميركية الحالية أنَّ السلام موقف قيمي مرهون بأثمان مُستحقة أخلاقياً وسياسياً، وأن التطورات المُتسارعة تفرض كُلفة إضافية في كل مرة يتأخر فيها إحلال السلام؛ فعلى سبيل المثال قبل أحداث غزة كان ثمن السلام إقامة دولة فلسطينية مُستقلة والاعتراف بالحقوق المشروعة للفلسطينيين بأرضهم؛ أما اليوم فثمن السلام أكبر من ذلك.
(الشرق الأوسط)