على الشعب الفلسطيني خصوصًا وغالبية الدول العربية عمومًا، أن يكونوا في غاية الحذر في الأيام المقبلة لأنه كلما تأكد فشل حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل في تحقيق أهدافها المعلنة في قطاع غزة، كانت هذه الحكومة على استعداد لارتكاب أي أفعال مهما كانت جنونية.
أركان الحكومة الإسرائيلية وقادة جيش الاحتلال أعلنوا منذ ٧ أكتوبر الماضي عقب عملية «طوفان الأقصى» أنهم سيقضون على حركة حماس ويعتقلون قادتها ويطلقون سراح الأسرى الإسرائيليين ويجلبون الأمن لسكان المستوطنات المحاذية للقطاع، بل سيغيرون ثقافة الشعب الفلسطيني ومناهج تعليمه بحيث يتعاملون مع الاحتلال باعتباره صديقا!! لكنهم لم يحققوا أي هدف مما رفعوه حتى هذه اللحظة. لكن للموضوعية فإن الهدف الأكبر الذي حققوه ولم يعلنوا عنه أنهم قتلوا أكثر من 28 ألف فلسطيني وأصابوا أكثر من 67 ألف شخص، أكثر من 65% من الأطفال والنساء، ودمروا معظم مباني غزة فوق رؤوس سكانها، مما حول معظم سكانها إلى نازحين يتكدسون الآن في مدينة رفح على الحدود المصرية.
الفشل في تحقيق الأهداف الإسرائيلية المعلنة سيجعل أركان القادة الإسرائيليين يلجأون إلى كل الخيارات، حتى لو كانت جنونية.
هل تتذكرون حينما هدد وزير التراث الإسرائيلي أميحاي إلياهو في نوفمبر الماضي باستخدام القنبلة النووية ضد قطاع غزة؟!
هذا المتطرف لم يكن يهرج، ولم يكن تصريحه محض جنون مؤقت أو تهديد أجوف، والدليل أنه لا يزال في منصبه حتى هذه اللحظة. هو كان ينقل رسالة محددة لجميع دول المنطقة بأن إسرائيل تمتلك فعليا قنابل نووية، وأنها يمكن أن تفعلها، كما فعلتها الولايات المتحدة ضد اليابان في نهاية الحرب العالمية الثانية في أغسطس ١٩٤٥.
غالبية قادة الحكومة الإسرائيلية خصوصا من اليمين المتطرف مثل إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي وبتسئيل سموتريتش وزير المالية لم يتجندوا أو يخدموا في الجيش، ولم يحاربوا، وبالتالي فهم لا يعرفون معنى الحرب، لديهم عقيدة دينية أو قومية متطرفة ولديهم خرافات كثيرة، ولديهم اعتقاد راسخ بأن كيانهم يمتلك فائض قوة كبيرة وأن الوقت ملائم جدا لتحقيق الأحلام أو الأوهام التي تعشعش في عقولهم منذ آلاف السنين.
وربما للأسباب السابقة نسمع عن الصراعات الشديدة بينهم وبين قادة الجيش المحترفين الذين يشكون من عدم وجود أهداف عسكرية قابلة للتطبيق من المستوى السياسي.
ومن أجل كل ما سبق، وبسبب فشلهم، وخوفهم من الفضيحة السياسية والإقصاء والمحاسبة وربما السجن كما في حالة بنيامن نتنياهو، فإن هذا الائتلاف المتطرف لا يمكن أبدا استبعاد أن يلجأ إلى تصرفات غير طبيعية خصوصا أنه لا توجد أي روادع إقليمية أو دولية تمنعهم من تنفيذ تهديداتهم التي يطلقونها يوميا.
وبالتالي يمكن فهم التهديدات الإسرائيلية الأخيرة بمحاولة احتلال مدينة رفح والسيطرة على الجانب الفلسطيني من المعبر الحدودي أو محور فيلادلفيا لمحاولة فرض حقائق جديدة على الأرض ليس فقط بتصفية القضية الفلسطينية ولكن بوضع معادلات جديدة على مصر وبقية المنطقة تجعل من إسرائيل القوة الوحيدة المتحكمة في الجميع.
قد تكون هذه التهديدات للحصول على ثمن أفضل في الهدنة التي يتم التفاوض عليها هذه الأيام، لكن هناك احتمال أكبر هو أن الحكومة الإسرائيلية تشعر بأن لديها فرصة ذهبية لتحقيق الحلم الصهيوني الكبير وهو تهجير أهل غزة باتجاه سيناء المصرية ثم تهجير أهل الضفة إلى الأردن أو أي مكان حتى تكتمل تصفية كل القضية.
إسرائيل ظلت تطارد أهل غزة وتدفعهم من الشمال إلى الجنوب حتى تكدس أكثر من مليون فلسطيني في مدينة رفح على الحدود مع مصر، والهدف الذي لا تنكره إسرائيل إطلاقا بل تتحدث عنه ليل نهار هو التهجير ظنا أن ذلك سينهي القضية الفلسطينية.
ومن أجل كل ما سبق فقد وجب الحذر الشديد من التصرفات الإسرائيلية وأن تتحسب كل دولة عربية خصوصا تلك التي تقع في خط المواجهة وبالأخص مصر، لمواجهة أفعال جنونية إسرائيلية من حكومة تشعر بأنها تملك دعما أمريكيا مفتوحا لتنفيذ كل ما تحلم به.
الموقف المصري لا يزال حتى الآن صامدا ومواجها لمحاولات الهيمنة الاسرائيلية المدعومة أمريكيا.
("الشروق") المصرية