هل الفرصة لا تزال قائمة؟

استقرار السودان هدف رئيس لدى المنطقة والإقليم العربي، مبادرات وهُدَن تسابق الزمن لإنهاء الحرب. قمة دول جوار السودان التي دعت إليها القاهرة جاءت في التوقيت المناسب، رسائلها واضحة وعميقة، تهدف إلى وضع آليات فاعلة لتسوية الأزمة، بالتنسيق مع المسارات الإقليمية والدولية الأخرى.

هذه القمة، تضعنا أمام عدة مشاهد حيوية، يأتي في مقدمتها: أن مصر تسعى دائماً لتوحيد رؤى دول الجوار، نحو الأدوات والأهداف التي يمكن أن تؤدي إلى تسوية الصراع، خصوصاً أن دول الجوار هي التي باتت مهددة من تداعيات الحرب، ومخاطر استمرارها، سواء من خلال تهديدات تمدد التنظيمات الإرهابية، أم موجات الهجرة غير الشرعية، أم التجارة الممنوعة.

القاهرة وأشقاؤها العرب يرون في استقرار السودان ومؤسساته، ضمانة قوية لتحصين الأمن القومي للسودان ودول الجوار، والقارة الأفريقية، والمنطقة العربية، وأن تفاقم الأزمة سوف يهدد استقرار المنطقة بأكملها، وهذه الرؤية جاءت من مصر، بوصفها دولة مسؤولة ووازنة على المستوى الدولي والإقليمي.

ومن ثم فإن هذه القمة تتكامل مع جهود الاتحاد الأفريقي، ومنظمة «إيغاد»، والأمم المتحدة، والمبادرة الأمريكية-السعودية لوقف إطلاق النار، وذلك من أجل إعطاء قوة دفع وزخم كبير، من شأنه التأثير على طرفي الحرب، للوصول إلى حلول واقعية تحقن دماء السودانيين، وتحفظ وحدة وسلامة الأراضي السودانية، وتصون أمنها القومي، وتقطع الطريق أمام التدخلات الخارجية في البلاد.

اللافت في هذه القمة، أنها تتسق دائماً مع الرؤية العربية الثابتة والمستمرة، بضرورة الحفاظ على الدولة الوطنية ومؤسساتها، لاسيما أن مصر تستشعر أن استمرار اتساع الصراع، قد يؤدي إلى تمزيق الدولة السودانية وشعبها. لذا كانت هناك نظرة ثاقبة من القاهرة وأشقائها العرب، فمنذ اللحظة الأولى شهدنا التنسيق الكامل بين القاهرة وأبوظبي، والرياض، ثم وحدة الرؤية والموقف في القمة العربية بمدينة جدة.

فقد فرضت القضية السودانية نفسها على طاولة القادة والزعماء، ودعت القاهرة في نداء عاجل، كل الأطراف إلى وقف القتال، والذهاب إلى طاولة المفاوضات، حفاظاً على المؤسسات الوطنية السودانية. تضمن هذا النداء تحذيراً من التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للسودان، وهذه الرسالة وضعت خطاً فاصلاً لتفاقم الأزمة أكثر عن ذلك، في حال أصبح السودان مسرحاً مفتوحاً للتدخلات.

ليس خافياً على أحد أن الأخطار باتت تلاحق مستقبل السودان، الذي يمر بمرحلة تشكل مفترق طرق، وباتت تهدد وحدته وسلامته واستقراره، بل إن تداعياتها قد تمتد إلى دول الجوار، والسلام العالمي.

لاسيما أن ظلال الأزمة سوف تنعكس حتماً على الأوضاع اقتصادياً وإنسانياً، ما يزيد النزوح والفرار إلى الخارج، فضلاً عن خطر التمدد غير المسبوق للجماعات الإرهابية، التي تستعد للتنقل من مناطق قريبة في الساحل والصحراء إلى السودان، كل هذا يتزامن مع تحذيرات أمين عام الأمم المتحدة، التي يقول فيها: «إن السودان على وشك مواجهة «حرب أهلية واسعة النطاق»، من الممكن أن تزعزع الاستقرار في المنطقة برمتها».

أخيراً، أرى أن الفرصة لا تزال قائمة ومتاحة لإنقاذ السودان، وأن مخرجات هذه القمة، بالإضافة إلى المسارات الإقليمية والدولية الأخرى، لا بدّ أن تشكل محور ارتكاز، يمكن البناء عليه، من خلال إقناع طرفي الصراع بالتزام وقف إطلاق النار، ومعالجة الأوضاع الإنسانية السيئة الناجمة عن الحرب.

والبدء في ترتيب مسارات سياسية جديدة، لوضع خطوط فاصلة للنزاع، الذي أنهك السودان دولةً وشعباً. عدا ذلك، فإن السودان مقبلٌ على سيناريوهات أكثر كارثية، أو ربما لا يمكن التنبؤ بمآلاتها.

(البيان)

يتم التصفح الآن