بصمات

الشباب العربي والحراك المستقبلي

يُقدّر مجموع سكان البلدان العربية بنحو 450 مليون نسمة، أو ما يعادل 5.5 في المئة من سكّان العالم، وهم في غالبيتهم من فئة عمريّة شابّة.

الشباب العربي والحراك المستقبلي

لا حاجة لتوصيف ظاهرة، صارت أكثر مجالًا للمتابعة والنقاشات والتواصل والحوار المستمر في مدن العالم، وأصبحت تتّسم بحركيّة وديناميّة في مجمل القضايا والموضوعات، ذات النزاعات التحرريّة والنقديّة، وبنظرات جديدة في المجالات كافة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. هذا يستدعي في الظروف العادية استجابة فاعلة في مؤسسات حكوميّة ومدنيّة، وقدرات ونظمًا تعليمية تلبّي حاجات السوق والمجتمع، وإلا تحوّل هؤلاء الشباب إلى قوة نابذة لمجتمعاتهم، وخطر ماثل في شبكات الغضب. فالشباب هم المستقبل / أعمدة البناء لنهضة المجتمعات.

لا أهمية لأي منتج حضاري بعيدًا عن الاستثمار في شخصياتهم وقدراتهم. الوقوف على مشكلات الشباب العربي وتطلعاتهم، يشبه الوقوف على الأوتوسترادات السريعة اليوم، مع حجم كبير من المتغيرات والتحولات. مؤشرات على القضايا المجتمعيّة والتداول بها، ومساءلة الأحزاب والنقابات والسياسات العمومية. ذلك يستوجب االتذكير بالتحوّلات المفصليّة ذات الجذور العلمية والتكنولوجية والتواصلية، التي تنتج آفاقًا جديدة للشباب في إطار تنافسيّة المنظومات الاقتصادية، والأنماط غير المسبوقة في السيطرة السياسية. وقد لامست قسطًا غير قليل منها بلدان المنطقة العربية، على الرّغم من أنّها لم تكن يومًا من المبادرين أو المساهمين الأساسيين فيها.

لهذا الجيل من الشباب قوة هائلة من الحشد لقضايا محلية وقومية

الشباب هم النواة الأساس عمّا يضمر المستقبل، ونعني بذلك منظومة العلوم الاجتماعية والانسانية، والتكنولوجيا والابتكار والتعليم العالي والبحث والتطوير، وتنمية الثقاقة لدى المواطنيين، ومحاربة التطرف والسلبيات التي يعاني منها المجتمع العربي. ليس غريبًا أن تكون طليعة الربيع العربي ووقوده شبابية. متوسط أعمار الشباب في البلدان العربية الخمسة التي شهدت ثورة، أو حراكًا ثوريًا، يتراوح بين 20 و30 عامًا. فقد ذاق هذا الجيل ويلات الاستبداد والفساد أكثر من غيره من الأجيال، حيث امتلك قدرة متراكمة على نقد الأوضاع، أكثر من أي جيل آخر في التاريخ العربي.

هذا الجيل ظلّ ولمدة طويلة غائبًا أو مغيّبًا عن الساحة السياسية. فقاد الحراك بالجرأة، والإتحاد والقدرة على التحدي، والابتكار والإصرار والتوق إلى الحرية والكرامة، مُنتجًا لساحات سياسية موازية، منحت وسرّعت إمكانيات التلاقي والتعبئة والتشبيك بين الواقعي والافتراضي من خارج عمل المؤسسات التقليدية، والأحزاب والجمعيات والنقابات، وقد نجحت إلى حد كبير في استخدام الفضاء الالكتروني لنقل الطموحات البعيدة إلى حقائق واقعية. كما يبدو أنّ لهذا الجيل من الشباب قوة هائلة من الحشد لقضايا محلية وقومية (نموذج الشباب الفلسطيني). ويمكن القول إنّ نموذجًا جديدًا للهوية العربية لدى لشباب، هو بصدد التشكل المستمر على تنوع خطاباته، وتميّزه، وجدّيته، وتعبيراته في لغة مطالب وحقوق معًا، ما يمثل الأمل الحقيقي في بلورة وتصور حداثة المنطقة. لكن لا ينبغي لأيّ مما سبق أن يبعث على اليأس على أنقاض حطام ما تشهده المنطقة من أحداث ونزاعات داخلية، فالأمل باقٍ أن يتغلّب الشباب العربي على الانقسام والصراعات السياسية والدينية والعرقية.

الشباب القُطري بمفرده لن يكون بمقدوره مهما كان حجمه تنظيم شؤون مجتمعاته ومصالحها

إنّ الصفات المطلوب توافرها لإدارة أي مشروع حضاري وبنجاج، يجب أن تتحدّد أولًا بنسق الرسائل لدى الشباب الذي يملك الموهبة والإدارة. وهو لا يحبذ الامتثالية، إحدى المخاطر التي تهدد مستقبل المجتمعات العربية.

عندما نتحدث عن الشباب نتحدث عن "روح الشعوب"، (مونتسكيو ، فواتير، وارنست رينان)، وبتكبير المعنى المحلي والقومي الخاص إلى الوجه الجديد للعالم نعترف أيضًا، أننا لا نملك بوصلة أو أشرعة في هذا المحيط الهادر، الذي لم نعد نرى له شواطئ (اميل ليتريه)، وبات واضحًا الآن، أنّ الشباب القُطري بمفرده لن يكون بمقدوره مهما كان حجمه، تنظيم شؤون مجتمعاته ومصالحها. إذ إنّ التصور الآن يأخذ أشكالًا جديدة من التنظيمات الشبايبة العابرة للحدود وعلى المستوى العالمي، وذلك لحل مشكلات حالة الاغتراب، ومسألة العولمة، والمجتمع المدني المفتوح، وإخفاق نماذج التنمية المعتمدة. لن يتم ذلك من دون قيام أنظمة ديمقراطية تحترم حقوق الانسان، حرية التعبير والتنظيم والمشاركة وتحمّل المسؤوليات، وبعمق الوعي الاجتماعي والسياسي لدى التكوينات الأساسية / قبلية كانت أو عشائرية أو طائفية، لتنخرط جميعًا وتدريجيًا في إطار الولاء إلى الدولة الوطنية. يشير هذا إلى حجم المسؤوليات، التي من المتوقع أن تتزايد وتتشعّب في السنوات المقبلة، مدفوعة بتطلعات الشباب العربي نحو حياة أفضل يعمّها الأمان والاستقرار، لا سيما أنّ ذلك يمثل جوهر مهنتهم. 

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن