وجهات نظر

"بطحة النازية".. قَدَر عائلة "بيربوك" مع الإبادة الجماعية!

تقول وزارة الخارجية الألمانية إنّ الوزيرة أنيلينا بيربوك لم تكن تعلم بالوثائق التي تتحدث عن انتماء جدها فالديمار بيربوك للحزب النازي وانخراطه الأيدلوجي في الجيش النازي قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية وبعدها، لكنّ أداءها المخزي أخلاقيًا في الأزمة الإنسانية التي تتعرض لها غزّة، ودعمها المطلق للعدوان الصهيوني على المدنيين يفصح عن شيء كذلك دون حاجه إلى وثائق.

تلك الوثائق التاريخية التي تحدثت عنها صحيفة "بيلد" الألمانية كاشفة عن انتماء جد وزيرة الخارجية الألمانية، ليست سُبة أو مشكلة في حد ذاتها، فبالمنطق قطعًا ينحدر كثير من الألمان من عائلات انتمت في السابق للحزب النازي وكان لهم أجداد انخرطوا في نشاطات الحزب والجيش البشعة خلال فترة حكمه لألمانيا ومحاولاته السيطرة العسكرية على كل أوروبا، لكن المفارقة أن الوزيرة الألمانية كثيرًا ما تباهت بجدها وتحدثت عنه بفخر خلال المناسبات السياسية والعسكرية، لتكشف الصحيفة أن الجد الذي تفخر به الحفيدة كان نازيًا وخدم في "الفيرماخت" (الجيش الألماني فترة الحرب العالمية)، وكان أيضًا مؤيدًا نشطًا للاشتراكية القومية النازية العنصرية المتطرفة، وقرأ كتاب هتلر "كفاحي" ودعم النظام بالكامل، وفي عام 1944 حصل على وسام هتلر للاستحقاق العسكري.

تاريخ الدولة الألمانية حاضر بين إبادتين: الأولى قادتها النازية ضد يهود أوروبا والثانية يمارسها الصهاينة على أرض فلسطين

تُفسّر هذه الوثائق تلك المواقف الحادة المعادية للفلسطينيين التي تصدر عن وزيرة الخارجية الألمانية وحكومتها من رفض أي محاولة لوقف إطلاق النار، وتقديم دعم سياسي وعسكري غير مسبوق لحكومة الاحتلال الصهيوني، والتضامن مع دولة الاحتلال أمام محكمة العدل الدولية، غير ملاحقة الأصوات المتعاطفة مع الفلسطينيين في المجتمع الألماني، والوقف الفورى لتمويل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" استجابة لاتهامات صهيونية مرسلة في حق بعض موظفيها.

بحسب الحكومة الألمانية، فإن الموافقات الخاصة بتصدير أسلحة ألمانية للجيش الصهيوني تضاعفت نحو 10 مرات، حيث تتعامل برلين مع طلبات تصدير هذه الأسلحة كأولوية، منذ السابع من أكتوبر الماضي.

ومنذ بدء عملية "طوفان الأقصى" والرد الصهيوني عليها، زارت أنيلينا بيربوك تل أبيب خمس مرات معلنةً دعمًا واضحًا وصريحًا لم يتغيّر كثيرًا، بدأتها بالتصريح العلني أنّ "أمن إسرائيل غير قابل للتفاوض.. ويجب استمرار الحرب على حماس"، غير ما حاولت صوغه من مبررات للوحشية الصهيونية ونفي انتهاك الجيش الإسرائيلي للقانون الدولى والزعم أنه يحاول حماية المدنيين.

بين إبادتين، يبدو تاريخ الدولة الألمانية حاضرًا وفاعلًا ومُصرًا، الأولى قادتها الحكومة النازية ضد شعوب ويهود أوروبا وكان بيربوك الجد أحد أدوات تنفيذ هذه الإبادة بانخراطه في "الفيرماخت" وتبنيه كافة الطروحات النازية عن التفوق القومي الألماني ما خلّف ملايين القتلى ودمار هائل في ثلثي العالم، والثانية يمارسها اليهود الصهاينة على أرض فلسطين ما خلّف في آخر موجة من موجاتها نحو 30 ألف شهيد خلال 4 أشهر من إطلاق آلة القتل الصهيونية بدعم غربي تتصدره الحكومة الألمانية الديمقراطية وبيربوك الحفيدة أحد تروس هذا الدعم المطلق.

يبدو الأمر وكأنه جينات في العائلة، تدفع من يُوضع من أفرادها في موضع مسؤولية أن لا يكترث بالقتل الجماعي وأن يوفر لهذا القتل الدعم الكامل والتبرير اللازم، والوقوف الصلب ضد الجانب الصحيح من التاريخ.

إسرائيل ما زالت تبتزّ المجتمع الألماني وتحلبه بجريمة تكرّرها وتنفذها ببشاعة أكبر

وربما كان عار العائلة ما يجعل الحفيدة تتحسس "بطحة النازية" على رأس عائلتها، فتُظهر بإفراط مرضى الدعم الكامل والمطلق لإسرائيل لعلّ الأخيرة تتغافل عن ماضي عائلتها وتعفو عن جدها، وهي التي لم تعفُ عن المجتمع الألماني كله وما زالت تبتزه وتحلبه بجريمة تكررها وتنفذها ببشاعة أكبر على أرض فلسطين.

لكن إذا كان يمكن التماس بعض العذر للجد كونه لم يكن في المستوى القيادي اللازم لتحمل مسؤولية أكبر عن الإبادة الجماعية في منتصف القرن السابق، وكان سياق مشاركته في إطار مناخ عالمي يحرّكه الحرب والغزو والاستعمار ونهب ثروات الشعوب، فما عذر الحفيدة التي تملك قرارًا في حكومتها، وكان يمكن أن تختار وقف الإبادة لا دعمها، والتعلم من أخطاء الماضي لا تكرارها؟، خصوصًا وهي وحزبها وحكومتها وشركاؤها يزعمون في الغرب تبني خطابًا أخلاقيًا وحقوقيًا سقط كله مغموسًا في دماء شهداء غزّة.

تُحرّك أنيلينا "جينات" فالديمار أو"عاره"، لتغرق في دعم الإبادة كما غرق جدها.. وكأن هذا العار قدر عائلة "بيربوك"؟!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن