لا شك في أنه منذ حدوث عملية طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر 2023، وقد تفجرت أزمة كبرى هي أزمة غزة، ومضى عليها ما يقرب من خمسة أشهر كاملة، وليس في الأفق قرب انفراجها بالطرق السلمية والدبلوماسية. فالميدان وأدوات القوة تحكم إدارة الأزمة، وسبق أن كتبت هنا، أن الدعم الأمريكي والتوحد بالتشجيع والإصرار على الانفراد بإدارة الأزمة والتحكم فيها عبر المساندة الكاملة للكيان الصهيوني، واستخدام الفيتو للمرة الخامسة في مجلس الأمن، ضد أي مشروع لوقف العدوان الصهيوني على شعب غزة.
إذن فمفتاح الأزمة وحلها، ليس في يد نتنياهو والتمثيل والتظاهر بوجود خلافات.. وعميقة!!. بين أمريكا وحكومة الكيان، هو كذب وادعاءات لا أصل لها، وكل هذا يجعل الأمر كلة في يد أمريكا التي لا تفضل خيار الحل الشامل للأزمة، ولكن تفضل خيار التبريد، والتسكين، حفاظاً على ماء وجه الكيان وحكومته المتوحشة التي ارتكبت الجرائم بلا سقف، ضد شعب فلسطين الأعزل. فالكيان الصهيوني، هزم.. هزيمة كبرى، وتصر حكومة نتنياهو على محاولة تحقيق أي مكسب، وتدعمها أمريكا في هذا، بحيث تخرج من الحرب، ولو بنصف هزيمة، أي بتقليل الخسائر الضخمة التي لم يتعرض لها هذا الكيان منذ (75) سنة وحتى الآن!.
وعلى مدى نحو (150) يوماً، منذ وقوع العدوان الهمجي الصهيوني على شعبنا العربي في غزة، عقب طوفان الأقصى، فقد تصرف العدو الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني في غزة، بهمجية غير مسبوقة، وفشل المجتمع الدولي، في إجبار هذا العدو، عن الكف أو الاستمرار في قيامه بالإبادة الجماعية لشعب غزة، وتدمير الحياة المدنية تماماً حتى أصبحت غزة غير صالحة للحياة، وسط تشريد هذا الشعب بصورة، لم يشهدها التاريخ منذ فجر كتابته وحتى الآن.
فشعب غزة، يبلغ تعداده نحو 2.4 مليون، على مساحة صغيرة للغاية، وبدأ جيش الاحتلال في التدخل البري، واستخدام كل أنواع الأسلحة، لإجبار الشعب الفلسطيني على الرحيل من غزة، وممارسة الضغوط والحصار، وبدعم أمريكي وأوروبي مطلق. وكان من نتاج ذلك حدوث تهجير إجباري من الشمال إلى الوسط.. ثم إلى الجنوب، حيث مدينة رفح الفلسطينية. وقد كان شمال غزة، يعيش فيه أكثر من نصف السكان، إلا أنه قد أًصبح عدد المتمسكين بالاستمرار لا يتجاوز النصف، أي نحو (600) ألف، بلا مأوى، ولا سكن ولا علاج ولا مدارس.. الخ. بينما منطقة خان يونس والوسط، ويعيش فيه نحو (400- 500) ألف فلسطيني، وتحرك الناس جبراً نحو الجنوب حيث رفح والمعبر، ليتكدس فيه نحو (1.3) مليون، وهي أرقام تقريبية. ويعيش هؤلاء في رفح في مأساة إنسانية ضخمة، هي مسؤولية الدول الإقليمية المحيطة، ومسؤولية المجتمع العربي والدولي، والجميع فشلوا في إجبار الآلة العسكرية لجيش الاحتلال، عن التوقف.
إلا أن الجديد هو: إصرار حكومة نتنياهو المهزومة والمكسورة، ولكنها تتصرف بجبروت الدعم الأمريكي، والصمت العربي المغري على الاستمرار في هذه الممارسات العدوانية من جانب هذا الكيان الصهيوني الاستعماري، على التدخل العسكري لإبادة الشعب الفلسطيني في رفح، ولو حدث لارتكبت أكبر مجزرة بشرية في التاريخ، أو إجبارها على الترحيل القسري جبرا، إلى معبر رفح المصري، للتسكين في سيناء المصرية، لتصبح غزة خالية ومناسبة لضمها للكيان، توسعة لمستوطنيها، وتحقيقاً للمشروع الصهيوني من النيل إلى الفرات!.
ووسط الرفض الشعبي والرسمي (الجيش والقيادة) في مصر على التهجير لشعب غزة إلى سيناء، وضد إخلاء غزة من شعبها، لذلك فإنه لم يبق سوى، سيناريو أو خيار الإبادة الجماعية للمقيمين في رفح، والمدعوم أمريكياً بشكل مباشر، أو خيار التراجع الصهيوني، وسط معارضة عالمية لهذا الخيار، وإلا ستكون العواقب وخيمة. فقد يترتب على هذا الخيار بالتدخل للإبادة الجماعية، تعريض المنطقة والإقليم كله، لحرب موسعة، قد تكون نكبة على الكيان الصهيوني، الذي من المحتمل أن يتعرض إلى الدمار الشامل. ويكون بن جوريون أول من أسس وحكم الكيان الصهيوني، وآخر من هدمه وقوضه نتنياهو بفعل الأعمال الإجرامية التي يصر على الاستمرار فيها مدعوماً بقوى سياسية حليفة في الداخل، سعياَ وراء إنقاذهم جميعاً من السجون التي تنتظرهم جميعاً، ومدعوماً من أمريكا التي دخلت مربع الانهيار والهزيمة هي الأخرى، وتعيش مرحلة الأفول والانسحاب الإجباري من الإقليم. وختاماً: فإن كل الخيارات مفتوحة.
("الأهرام") المصرية