وجهات نظر

كي لا يخسر الانتخابات.. هل يستمع بايدن إلى صوت "ميتشغن"؟

عندما أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن وهو ممسك بقمع من "الآيس كريم" أنه يتوقع التوصل لاتفاق لوقف مؤقت لإطلاق النار في غزة بحلول الاثنين 4 مارس/آذار، أصاب الارتباك كل الأطراف المعنية بذلك الملف، بدايةً من رئيس الحكومة الإسرائيلي، مرورًا بممثلي حركة "حماس"، نهايةً بالوسطاء المصريين والقطريين.

كي لا يخسر الانتخابات.. هل يستمع بايدن إلى صوت

بكل تأكيد لم يكن الملف جاهزًا، لكن الرئيس العجوز كان يرغب في توجيه رسالة للجالية العربية والمسلمة الأمريكية الغاضبة في ولاية ميتشغن مما يرون أنّ شراكته الشخصية في حرب الإبادة الجماعية التي يشنّها جيش الاحتلال الصهيوني منذ خمسة شهور ضد الفلسطينيين في غزّة، مفادها أنه يبذل جهدًا لوقف القتل، وذلك قبل يوم واحد فقط من تصويت أعضاء الحزب الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية على دعمه للحصول على فترة رئاسية ثانية في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.

صحيح أنّ بايدن كان فوزه مضمونًا في الولاية التي تقطنها أكبر جالية عربية ومسلمة أمريكية في الولايات المتحدة، وهو ما حدث بالفعل بنسبة تفوق الثمانين في المائة، ولكن المفاجأة كانت تفوق ممثلي الجالية العربية والمسلمة الأمريكية ومنظماتهم على أنفسهم وتمكنهم من جمع ما يزيد عن 100 ألف صوت اختاروا جميعًا أن يكون قرارهم في ورقة التصويت "غير ملتزم"، وذلك لإبلاغ رسالة واضحة لا لبس فيها للرئيس الأمريكي أنّ صوتهم لن يكون لصالحه في الانتخابات الرئاسية المقبلة لو بقي يتفاخر كل يوم تقريبًا أنه صهيوني منذ نعومة أظافره، والأسوأ تقديمه الدعم السخي بالسلاح والحماية الدبلوماسية لآلة القتل الصهيونية اليومية بحق الفلسطينيين على مدى الشهور الخمسة الماضية.

ما قام به قادة الجالية ومنظّماتها مثّل خطوة شديدة الأهمية نحو اعتبارهم رقمًا مهمًا ككتلة انتخابية

ولم تكد تمضِ أيام على ظهور نتيجة الانتخابات التمهيدية في ميتشغن، حتى تراجع بايدن عن تصريحه بشأن احتمال التوصل إلى اتفاق الهدنة يوم الاثنين كما لعقة "الآيس كريم"، ولم يحدد موعدًا آخر، وإن بقي الأمل قائمًا أن يتم ذلك قبل بدء شهر رمضان المبارك.

وفي الوقت الذي مثّل فيه التصويت الاحتجاجي للأمريكيين العرب والمسلمين في ولاية ميتشغن انعكاسًا آخر لأجواء التغيّر غير المسبوقة في مكانة الكيان الصهيوني الراسخة في الولايات المتحدة لدرجة اعتبار انتقادها من المحرّمات في السياسة الداخلية، فإنّ ما قام به قادة الجالية ومنظّماتها مثّل خطوة شديدة الأهمية نحو اعتبارهم رقمًا مهمًا ككتلة انتخابية وذلك بعد سنوات طويلة من التجاهل وعدم الاعتراف بوجودهم من الأساس.

وفي إحصاءات السكان الرسمية التي تقوم بها الولايات المتحدة، والتي يتم فيها توجيه سؤال عن الأصل العرقي، تقتصر الإجابات المتوفرة على "أبيض، أفريقي، آسيوي، من أصول أمريكية لاتينية (هيسبانيك) أو آخر"، على اعتبار أنّ هذه العرقيات فقط التي تشكل الغالبية في الولايات المتحدة، ولا يوجد إقرار رسمي باعتبار العرب الأمريكيين أقلية عرقية يُعتد بها.

التصويت الذي شهدته ميتشغن يوم الثلاثاء 27 فبراير/شباط قد يغيّر تلك المعادلة، ففي إطار معركة الإعادة الشرسة التي من المتوقع أن يخوضها بايدن في مواجهة خصمه اللدود دونالد ترامب، فإنّ الرئيس الديمقراطي بحاجة إلى كل صوت في ولاية ميتشغين التي توصف بـ"المتأرجحة" وفقًا للنظام الأمريكي الانتخابي المعقّد والذي لا يعتمد نظام الأغلبية في التصويت الشعبي بين عموم الناخبين في البلد القارة المكوّنة من خمسين ولاية.

فمن أجل ضمان الحفاظ على النظام الفيدرالي وإرضاء كل الولايات بغض النظر عن حجمها وتعداد سكانها، اعتمد الآباء المؤسّسون للولايات المتحدة نظام المجمع الانتخابي المكوّن من 538 مندوبًا، يتم توزيعهم بناءً على الكثافة السكانية لكل ولاية، فيكون للولايات الكبيرة مثل كاليفورنيا ونيويورك وتكساس ما يفوق الخمسين مندوبًا، بينما ولايات صغيرة مثل وايومنج أو فيرمونت لا يتجاوز عدد المندوبين اثنين أو ثلاثة. والفائز من بين المتنافسين على منصب الرئاسة في التصويت الشعبي في كل ولاية يحصد كل مقاعدها في المجمع الانتخابي، حتى لو كانت تلك الأغلبية عدة مئات من الأصوات فقط، ويُعد فائزًا بالرئاسة من يحصل على 270 مندوبًا في المجمع الانتخابي.

ولاية ميتشغن تُعد من الوزن المتوسط من حيث عدد المندوبين والذي يبلغ ستة عشر، وتوصف بـ"المتأرجحة" لأنها أحيانًا ما تصوّت لصالح الجمهوريين، وأحيانًا أخرى لصالح الديمقراطيين، ولا تُعد مضمونة كما هو حال نيويورك وكاليفورنيا للديمقراطيين، أو كما هو حال تكساس والولايات الجنوبية بالنسبة للجمهوريين.

وبجانب الولايات المحسوبة تاريخيًا على أيّ من الحزبين، فإنّ ما يحسم المعركة هو الولايات "المتأرجحة" والتي يُقدّر عددها بنحو 10 ولايات إلى 12 ولاية.

المائة ألف الذين اختاروا "غير ملتزم" في الانتخابات التمهيدية لو بقوا غير ملتزمين في نوفمبر فإنّ بايدن سيخسر ميتشيغن

وفي العام 2016، تمكن ترامب من الفوز بالولاية أمام هيلاري كلينتون بأغلبية عشرة آلاف صوت فقط وحصد كل مندوبيها، أما في انتخابات 2020، فلقد أراد العرب الأمريكيون والمسلمون في الولاية معاقبة ترامب لقراره الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني وسياسته المعادية للمهاجرين عمومًا وخاصة المسلمين، وفاز بايدن بالولاية بأغلبية 150 ألف صوت.

بالطبع المائة ألف الذين اختاروا "غير ملتزم" في الانتخابات التمهيدية الأسبوع الماضي لن يصوّتوا لصالح ترامب في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، ولكن لو بقوا غير ملتزمين، ولم يتوجهوا لصناديق الاقتراع احتجاجًا على استمرار الانحياز الأعمى للإدارة الحالية لأكثر حكومات الكيان الصهيوني تطرّفًا منذ انشائه في 1948، فإنّ بايدن، الذي يعاني بالفعل من تدهور شعبيّته وشكوك واسعة في قدرته الصحية والذهنية على القيام بمهام وظيفته، سيخسر ميتشغين بالتأكيد، وربما الانتخابات بأكملها.

لن يتمكن العرب والمسلمون الأمريكيون من المنافسة العادلة مع المنظمات الأمريكية اليهودية ذات النفوذ المالي والسياسي الضخم منذ عقود طويلة، مثل "أيباك" التي بلغ دخلها السنوي العام الماضي 73 مليون دولار وتنفق 40 مليون دولار لدعم مرشحيها في انتخابات الكونجرس والرئاسة.

لكن النجاح الذي حققته الجالية الأمريكية العربية وبروز اسم نائبة الولاية في الكونجرس، رشيدة طليب، وشقيقتها ليلى العابد التي قادت حملة "استمعوا إلى ميتشغن" والدعوة للتصويت بـ"غير ملتزم" هي نقطة تحوّل مهمة في مسار الجالية العربية والأمريكية المسلمة واعتبارها تكتلًا مهمًا يجب وضعه في عين الاعتبار في أي انتخابات أمريكية مقبلة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن