وجهات نظر

ما وراء تهمة "الاغتصاب"

إنّ فعل الهروب إلى الأمام الذّي تُمارسه إسرائيل تحت ضغط واقع فقدانها لتوازنها السياسي والعسكري وسقوط القناع عن وجهها الحقيقي أمام العالم، جعلها تلتجئ إلى مكيدة مُتجاوزة كانت تمارسها الكيانات الاستعمارية التقليدية في القرن الماضي للتّغطيّة على جرائمها وتبرير ممارستها للعنف.

ما وراء تهمة

تقوم هذه المكيدة المفضوحة على صناعة كِذبة اتّهام مقاتلي حركة "حماس" بارتكاب جريمة الاغتصاب خلال معركة "طوفان الأقصى". وهي الاتهامات نفسها التّي فبركتها ألمانيا النّازية بعد غزوها لبولندا في الأوّل من سبتمبر 1939، وإفحاش القتل في مدنييها وتجويعهم، مبرّرة أفعالها بالدفاع عن نفسها واستنجاد الألمانيين الذين تعرّضوا للتّنكيل وجرائم الاغتصاب من طرف الجيش البولندي في المناطق الحدودية. وهي المكيدة نفسها التّي اعتمدتها فرنسا لمّا أكدت تهمة الإيطاليين باغتصاب الجيش المغربي للإيطاليات في الحرب العالمية الثانية، بالرّغم من قتالهم في صفوفها، تشويهًا لسمعتهم وحجب الأضواء التّي سُلّطت على بسالتهم وهم يحطّمون حصن مونت كاسينو بإيطاليا.

سوموتريتش وضع في عرض مختصر خطّة تقوم على تجنيد ممثلة الأمم المتّحدة المختصّة بالعنف الجنسي

يفيد أكثر من مصدر مطّلع، حسب موقع إنترسبت، أنّ اللذَيْن كانا وراء فكرة اتهام مقاتلي "حماس" بالاغتصاب هما وزير المالية بتسلئيل سموتريتش ووزير الأمن القومي إيتمار بن غفير. حيث ما فتئ هذا الأخير يكرّر في كلّ مناسبة تخصّ تقييم أوضاع الحرب في غزّة وخطورة ازدياد التعاطف العالمي مع الغزّيين، فضلًا عن الدعوى القضائية أمام محكمة العدل الدّولية، أنّ على إسرائيل أن تخوض حربًا إعلامية موازية ومغايرة، ذات رؤية استباقية تقوم على الخدعة وصناعة التّلفيق ضدّ "حماس" بهدف نسف التفوّق الإعلامي الذي حققته الحركة والالتفاف على التعاطف العالمي الذي أخذ بُعدًا تاريخيًا غير مسبوق.

من هنا جاءت فكرة سوموتريتش الذي وضع في عرض مختصر خطّة تقوم على تجنيد ممثلة الأمم المتّحدة المختصّة بالعنف الجنسي، براميلا باتن وفريقها، التي ادّعت باستنادها على معطيات غير صحيحة حدوث ممارسات عنف جنسي واغتصاب جماعي في أماكن متفرقة خلال الهجوم الذّي شنّه مقاتلو "حماس". غير أنّ الذّي لم يفصح عنه فريق الأمم المتحدة أنّ المصادر التي أفادته بالمعلومات لم تكن إلا إسرائيلية وبتوجيه مُدبّر من دائرة نتنياهو. أكثر من ذلك، أنّ هيئات المجتمع المدني الثلاث التي وضعت الشّكايات، تنتمي إلى الجناح المتطرّف وتُعدّ من الأذرع الخفيّة للدّولة الإسرائيلية في الداخل والخارج. ويكفي دليلًا حضور "ميريت بن مايور" كأبرز ناشطة في ما أطلق عليه "فريق عمل تجميع معطيات الإدانة". إذ إنها لم تظهر بصفتها مفتشة للشرطة الإسرائيلية، ولكن باعتبارها فاعلة مدنية بحمولة متطرّفة وواحدة من أخلص عملاء جناح نتنياهو. فتمكّنت من تنظيم المؤتمر الصحفي المنعقد في مقرّ "اللّجنة اليهودية الأمريكية" ببرلين، وجنّدت له ماكينة إعلامية رهيبة مع تغطية قانونية مخادعة تولّت تنزيلها على أرض الواقع المحامية "كوخاف الكايام ليفي" التي ادّعت، وفقًا للخطّة الإسرائيلية، استقلالها عن الدّولة والتزامها بالموضوعية.

لا نستبعد اختراق المنظّمات النّسائية وهيئات حماية الطّفولة في العالم لحملها على التظاهر ضدّ مقاتلي "حماس"

ما يجب أن ندركه، أنّ ورقة إسرائيل الخاسرة حول الاغتصاب، جاءت للتّمويه على جرائمها بافتعال جريمة الاغتصاب مقابل جريمة الحرب والإبادة الجماعية. ومن ثمّة، شغل الرأي العام الدّولي بحشدها لكلّ وسائلها المادية والرّمزية لخلق حقائق مُزوّرة كفبركتها للصور والفيديوهات وتقديم شهادات باطلة استدرارًا لعواطف الرأي العام بهدف قلب معادلة التّعاطف مع شعب غزّة. ولا نستبعد في الأيام القادمة اختراقها للمنظّمات النّسائية وهيئات حماية الطّفولة في العالم لحملها على التظاهر ضدّ مقاتلي "حماس" تنديدًا باغتصاب النّساء والأطفال، حتّى لا يُترك الفضاء العمومي في العالم، حسب زعمها المغلوط، حكرًا للمنتصرين للغزّيين، وإنّما مُقتسم مع المنتصرين لإسرائيل أيضًا.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن