وجهات نظر

جريمة غزّة.. نعم مصر تستطيع!

تحدثنا في المقال السابق عن القيود والمعطيات الثقيلة التي تكبّل الموقف المصري الرسمي من المحرقة الصهيونية الرهيبة وغير المسبوقة التي ترتكبها قوات العدو في قطاع غزّة منذ ما يزيد على خمسة شهور.

جريمة غزّة.. نعم مصر تستطيع!

وأشرنا في سطور المقال أيضًا إلى أنّ هذه المحرقة التي تجاوزت في الجنون الإجرامي كل حد، تهدد بشكل خطير ومباشر قدس أقداس الأمن الوطني المصري، ومع ذلك خرج الموقف الرسمي للقاهرة على هذه الصورة المسيئة المعروفة التي هي نتاج لمعطيات سياسية واقتصادية واجتماعية أغلبيتها الساحقة من صنع الحكم القائم في مصر حاليًا، وأدت في ختام المطاف لمنع هذا البلد عظيم الحجم والوزن من اتخاذ موقف يليق به ويكافئ موقعه الوازن والحاكم في قلب أمّته العربية والإقليم كله، بل ومن دون أية مبالغة في العالم أيضًا، بوصفه بلدًا يحمل على كاهله أحمالًا تاريخية نادرة القيمة وله موقع مركزي في الضمير والثقافة الإنسانيتين.

هناك ضرورة لإيصال رسالة مباشرة لقادة العدو بأنّ أيّ اقتراب من محظورات الأمن الوطني المصري لن يمر من دون رد

وقد أنهيت سطور المقال السابق بما معناه، أنه رغم الترسانة الثقيلة من المعوقات والمكبلات التي تقيد مصر، إلا أنها ليست مغلولة اليد تمامًا عن اتخاذ ما يلزم تجاه محرقة غزّة وتهديدات أمنها، تأسيسًا على كونها بلدًا ليس كبيرًا فحسب وإنما يملك إمكانيات هائلة وأوراق ضغط شديدة التأثير، صحيح أنّ أقواها وأهمّها، أي خيار التلويح باستخدام القوة العسكرية، أمر معطّل حاليًا بسبب التردي الشديد في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، إلا أنّ ما بقى دون هذا الخيار، كثير ومن شأنه إذا ما توافرت الإرادة، ردع العدو عن التمادي في إجرامه وكبح اندفاعه المتهوّر للمس بأمن مصر وخطوطها الحمراء المفترضة.

أما ما تبقى للنظام المصري من أوراق ضغط في ظل الأوضاع الكارثية التي يعيش شعبه تحت وطأتها حاليًا، فهي عبارة عن حزمة كبيرة من الأوراق السياسية، أبسطها وأوّلها إدخال تغيير جذري على لغة التصريحات العلنية التي تفوّه بها كبار المسؤولين المصريين - وكثير من أمثالهم العرب - بشأن جرائم العدو المروعة في غزّة، بحيث تتحرر هذه اللغة من تلك الميوعة المخجلة والنعومة المفرطة التي بقيت منذ بداية المحرقة وحتى الآن تصفع آذاننا بقسوة.

إذن هناك ضرورة حيوية وميسورة كذلك، أن تصير اللهجة أعلى نبرة بكثير وأشد حرارة وحسمًا بما يكفي لإيصال رسالة مباشرة وواضحة لقادة العدو بأنّ مصر غاضبة جدًا ولن تسمح باستمرار هذه المحرقة إلى ما لا نهاية، كما أنّ أيّ اقتراب من محظورات الأمن الوطني المصري هو أمر خطير ولن يمر من دون رد موجع جدًا من القاهرة.

 "اتفاقية السلام" أثمن هدية حصل عليها الكيان الصهيوني ومجرد التلويح بإلغائها يقلب كل الموازين والحسابات 

إنّ رسالة بهذه القوة إذا ما وصلت للعدو وقادته المجانين المشبعين بالعنصرية والإجرام، خصوصًا إذا لم تقتصر على الفعل الكلامي فقط وإنما صاحبها تحرك سياسي فاعل على الساحة الدولية، سوف يجبر العصابة الإجرامية التي تقود الكيان الصهيوني حاليًا مع من يدعمونهم، إلى التوقف والتأمل في الخسائر الاستراتيجية التي لا يمكن تعويضها إذا ما استمروا في عربدتهم الوحشية.

هل ما فات مجرد كلام وافتراضات نظرية بحتة؟.. ربما هذا السؤال له ما يبرره مع استبعاد أو بالأحرى تضاؤل احتمالات استخدام القوة العسكرية، لكن هناك ورقة بالغة القوة بمقدور مصر التلويح أو التهديد باستخدامها، والمقصود هنا هو ما يسمى "اتفاقية السلام المصرية – الإسرائيلية" التي تمثل جائزة كبرى للكيان الصهيوني وأثمن هدية حصل عليها هذا الكيان منذ وجد، لذلك فإنّ مجرد التلويح ثم التهديد الصريح بإلغائها من شأنه أن يقلب كل الموازين والحسابات في الكيان وعند داعميه لا سيما الولايات المتحدة الأمريكية، ويجعل الجميع يتوقفون فورًا لإعادة قراءة الوضع في ظل هذا المعطى الخطير لإجراء المزيد من الحساب لحجم المكسب قياسًا على احتمال خسارة استراتيجية بهذا الحجم الثقيل.

طبعًا قد يفتح تهديد القاهرة الصريح باستخدام ورقة المعاهدة وربما إلغائها، الباب أمام ظنون وهواجس مرعبة بأنّ الصدام العسكري بين مصر والكيان الصهيوني قد يعود إلى دائرة الاحتمال ويقتحم أفق سيناريوهات المستقبل القريب أو البعيد على السواء، بعدما ظل هذا السيناريو لعقود طويلة مستبعدًا قسرًا.. وهو أمر لو تعرفون خطير ومخيف لتل ابيب وواشنطن معًا.

الخلاصة عزيزي القارئ، أنّ مصر حقًا تستطيع.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن