المخاوف من تواصل الحرب خلال شهر رمضان، عبّر عنها بشكل واضح رئيس جهاز الأمن الداخلي "الشاباك" رونين بار في تقرير عرضه على اجتماع مجلس الحرب الإسرائيلي نهاية فبراير الماضي وفقًا لما نقلته وسائل إعلام عبرية .إذ حذر رئيس "الشاباك" من "خطر تصاعد الصراع بين إسرائيل وحركة حماس إلى حرب دينية إذا تم فرض قيود على الوصول للمسجد الأقصى على سكان العرب في إسرائيل خلال شهر رمضان"، معتبرًا أنّ مثل تلك الحرب حال اندلاعها "يمكن أن تقوض الجهود الرامية إلى حصر الصراع بين إسرائيل وحماس، مما يهدد بتحويله إلى حرب بين اليهود والمسلمين".
مخاوف رونين بار تلاقت مع مخاوف الجيش الإسرائيلي، إذ حذر وزير الحرب يوآف جالانت أيضًا، في رسالة بعثها لقادة الأجهزة الأمنية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، من تصعيد محتمل في الضفة الغربية بما في ذلك القدس خلال شهر رمضان، وأضرار ذلك على أهداف الحرب في غزّة. وليس بعيدًا عن هذا التصعيد، جاءت دعوة "كتائب القسّام" الذراع العسكري لـ"حماس" (على لسان الناطق باسمها أبو عبيدة مساء الجمعة الماضية) أبناء الشعب الفلسطيني في "الضفة والقدس وفلسطين المحتلة عام 1948 إلى النفير والزحف نحو المسجد الأقصى والرباط فيه وعدم السماح للاحتلال لفرض الوقائع على الأرض".
ما بين المفاوضات والجبهات
ثمة تطور أكثر خطورة قد يطرأ على المشهد الإقليمي، بتسخين جبهات المواجهة المفتوحة في البحر الأحمر من جانب جماعة "أنصار الله الحوثي"، ولبنان، حيث "حزب الله"، وفصائل المقاومة العراقية، في علاقة طردية مع مسار مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، إذ بدا للمدقق في المشهد أنه كلما راوغ أو ماطل الجانب الإسرائيلي على موائد المفاوضات زادت حدة المواجهات على صعيد الجبهات التي يتصدى لها ما يعرف بمحور المقاومة الداعم لغزّة.
في هذا الإطار يؤكد قيادي بارز في حركة "حماس"، أنّ التنسيق بين الحركة ومكوّنات محور المقاومة يشهد أعلى مستوياته في الوقت الراهن، على عكس ما كان يسعى له الاحتلال، عبر الولايات المتحدة، التي عملت طوال الأشهر الماضية على فك الارتباط بين مكونات محور المقاومة، من خلال تحركات تشمل كل جبهة على حدة عبر وسطاء يرتبطون بعلاقات مع دول محور المقاومة.
وبحسب القيادي في الحركة الذي تحدث لـ"عروبة 22" شريطة عدم ذكر اسمه، فإنّ الأيام الماضية شهدت توافقًا حول نقاط محددة بين مكونات محور المقاومة على صعيد دعم صمود قطاع غزّة ومقاومته، بخطوات تصعيدية محددة ومتفق عليها حال استمر الوضع على ما هو عليه.
وقال القيادي الحمساوي إنّ الحكومات الغربية الداعمة للاحتلال لا تفهم سوى لغة المصالح، مشددًا على أنّ الوضع في جبهات المواجهة مع الاحتلال وداعميه، ستشهد تصعيدًا نوعيًا في ظل استمرار سياسة التجويع التي يتبعها الاحتلال للضغط على المقاومة على طاولة التفاوض، لافتًا إلى أنّ "المقاومة لا يزال في جعبتها الكثير سواء على المستوى السياسي أو العسكري".
وعلى أرض الواقع، بينما كانت التقارير الواردة من القاهرة تشير إلى تعثر في مسار المفاوضات، ورفض الحكومة الإسرائيلية إرسال وفدها للعاصمة المصرية للانخراط في المباحثات، كان "حزب الله" يصعّد من استهدافه لمناطق الشمال داخل الأراضي المحتلة بدفعات ربما لم تكن مسبوقة من الصواريخ، وكذلك أيضًا جماعة الحوثي التي استهدفت سفينة إسرائيلية بإصابات مباشرة في خليج عدن ما أسفر عن وقوع قتلى في صفوق طاقمها وذلك لأول مرة منذ اندلاع العدون الإسرائيلي على غزّة.
وثيقة حاليفا.. والتصعيد المرتقب
في غضون ذلك كشفت "القناة 12" العبرية تفاصيل وثيقة سرية تضمّنت تحذيرًا نقله رئيس شعبة الاستخبارات أهرون حاليفا للمستوى السياسي، من تنسيقٍ فلسطينيٍّ-محوريٍّ متعدد الساحات يهدف إلى تكثيف الهجوم على إسرائيل، مع الإِشارة إلى وجود تهديداتٍ كبيرةٍ واستثنائيّةٍ من كلّ الساحات.
وكتب حاليفا في تقريره: "الفتيل الدينيّ، وعلى رأسه الحرم القدسي، قد يؤدي في شهر رمضان إلى تأجج وتصعيد متعدد الساحات، وحتى إقليمي انطلاقًا من تحويل الحرب إلى حربٍ دينيّة"، محذرًا من أنّ "هناك احتمالًا لتحقيق تهديداتٍ كبيرةٍ واستثنائيّةٍ من كلّ الساحات في مختلف المعايير، ويجب الأخذ بالحسبان احتمال تحقيق مخططات عمليات معادية من ساحات لم تكن جزءًا من المعركة حتى الآن".
في هذا السياق، يرى الباحث في شؤون الأمن الإقليمي، والمدير التنفيذي للمركز الوطني للدراسات، هاني الأعصر أنّ التصعيد لن يكون بالوتيرة نفسها على مستوى كافة الجبهات وذلك لاعتبارات جغرافية وسياسية، معربًا عن اعتقاده بأنّ فرص التصعيد على الجبهة اليمنية من الحوثيين ستكون أكبر من "حزب الله" اللبناني، لأسباب عدة أهمها محدودية القدرة الإسرائيلية على الرد في تلك الجبهة وكذلك كون التصعيد من جانب الولايات المتحدة وبريطانيا سيكون محدودًا لاعتبارات متربطة بحركة الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن إضافة إلى أنّ الحوثيين ليس لديهم الكثير ليخسروه مقارنة بحجم الإضرار الذي يمكن أن يسببوه للمصالح الأمريكية والغربية المرتبطة بالاقتصاد والحركة الملاحية في البحر الأحمر.
لا شكّ في أنّ حلول شهر رمضان دون إنجاز اتفاق هدنة في قطاع غزّة له انعكاسات واسعة على الإقليم بالكامل، والأكيد أنّ "نهج المراوغة" الذي يتبعه رئيس حكومة الاحتلال في المفاوضات، لكسب مزيد الوقت والهروب من الضغوط الخارجية والداخلية، من شأنه أن يؤجح جبهات المنطقة في ظل ما يشكله من تهديد لمصالح قوى إقليمية ودولية على حد سواء.
(خاص "عروبة 22")