صنعاء..

أين العالم مما آلت إليه الأمور في اليمن؟ ولماذا تراجع الاهتمام الدولي بالكارثة الإنسانيّة في اليمن – حتى قبل السابع من أكتوبر -، ولم يعد لليمن مكان في التغطيات الإعلاميّة العربيّة والدوليّة اللهم إلا فيما يتعلق بالهجمات الحوثيّة على سفن الشحن في البحر الأحمر، ورد التحالف الدولي بقيادة الولايات المُتحدة بضربات جويّة لا نملك أي تفاصيل بخصوص دقتها ومدى إصابتها لأهدافها، وأغلب الظن أنها ضربات لا تؤثر كثيرًا على قوة جماعة الحوثي العسكريّة بقدر ما تتسبب في زيادة وضع المدنيين اليمنيين تعقيدًا وبؤسًا.

دعنا من هذا السؤال إن كان يبدو بديهيًا، وقد أصبحنا نعرف أنه لا ضمير للعالم «الحُر»، بل هو منُشغلٌ بقضايا محوريّة بالنسبة إليه. وتعريف القضية المحوريّة هنا، هو أي قضية تتعلق بأمن ووجود إسرائيل، هذا الورم الخبيث الذي زرعته بريطانيا في أرض لا تملكها عام 1917، وما زال يتمدّد في جسد «الأمة العربيّة» مُرتديًا قناع المُحتل تارة، وقناع الجار الصالح الذي يمدّ يده لجيرانه ممن اختاروا فتح أبوابهم لهم تارة أخرى. من الواضح أن الكارثة الإنسانيّة في اليمن لم تعد تشغل الضمائر، حتى الأمم المُتحدة لم تعد تُعرب عن قلقها هناك في هذه الأيام.

لا يمرّ يوم واحد لا أتذكر فيه اليمن، هذا البلد الساحر المُبهر الذي خطف قلبي منذ زرته أول مرة في العام 2004، ولم تتوقف له زياراتي بعد هذا التاريخ إلا عام 2012، حين اخْتُطِفَت صنعاء، التي كان يُلقبني أهلي في اليمن باسمها، «الصنعانية»، لحُبي الكبير لهذه المدينة التي كنت أشتاق لها حتى قبل أن أغادرها، وأُمَنّي نفسي بزيارة قريبة وأنا أردد «لا بدّ من صنعاء وإن طال السفر».

طال السفر وباتت صنعاء تبدو بعيدةً، أكثر مما كانت تبدو عليه من قبل، لكن تلفزيون قطر الذي يعرض منذ بداية الشهر الفضيل موسمًا جديدًا لبَرنامج «عمران»، أخذنا إلى بلد ثورة الكرامة. ليقرّبنا مما يجري هناك. تبتدئ الحلقة الأولى ونبتدئ باكتشاف ما آلت إليه الأمور بعد 12 سنة من اليوم الذي خرج فيه اليمنيون حالمين بحياة كريمة وبغدٍ أفضل، ليتحوّل الحُلم إلى كابوس، وتُصبح هذه الثورة مدخلًا لأسوأ واقع سيعيشه الشعب اليمني منذ حكم الإمام، واقع حالك الظلام، عنوانه الفقر والحاجة والحرمان.

«عمران» الذي يُقدّمه الصحفي سوار الذهب، الذي سبق أن أبهرنا بحلقاته الطاغية الإنسانيّة في فلسطين وسوريا في المواسم السابقة، أخذنا في هذا الموسم في رحلة أقل ما يمكن أن يُقالَ عنها إنها مؤلمة، رحلة تُجسّد أبيات شاعر اليمن الكبير عبد الله البردوني:

ماذا أحدث عن صنعاء يا أبت؟.. مليحة عاشقاها السل والجرب

ماتت بصندوق «وضاح» بلا ثمن.. ولم يمت في حشاها العشق والطرب

قضى النظام السابق على العديد من أوجه المُجتمع المدني، لكن الأحزاب السياسيّة في اليمن كانت فيما مضى حيةً وقادرةً على مُقاومة الفساد السياسي والإداري نوعًا ما، وكانت القبيلة قادرةً على خلق مركز قوة موازٍ يضمن لأفراد الشعب أبسط حقوقهم، لكن يبدو أن القبيلة والحزب قد استقالا من هذه الوظيفة وتركا المواطن اليمني في مواجهة واقعه الجديد، فإما أن يموتَ جوعًا أو عطشًا أو يموت وهو على عتبات المُستشفيات في انتظار العلاج، بينما نفت النخبة نفسها طوعيًا بين مصر وتركيا وبعض دول أوروبا، تاركة الذين لا حول لهم ولا قوة يواجهون الفقر في بلد احتلّ المرتبة 151 من بين 177 دولة على مؤشر التنمية البشريّة ليكون بذلك أفقر دولة عربيّة.

("الراية") القطرية

يتم التصفح الآن