بصمات

... ليسوا "أرقامًا"!

كان يمكن أن يكون معرض مصوّر الحروب الفوتوغرافي والرسام والنحات هادي سي، في "غاليري صالح بركات" في بيروت حدثًا ثقافيًا عاديًا. لكن بالمرور والتعاطف والتحدي مع شيرين أبو عاقلة والصحافيين الشهداء الفلسطينيين في الحرب الاسرائيلية، واختزال ومحو الفلسطينين بإعتبارهم مجرد كيانات عددية، إلى موضوعات المنفى والظلم وتعبيرات الحب والأمل وتعقيدات ديناميكيات والهوية وتنوع التجارب الإنسانية من خلال استكشافات البيئات الثنائية وغير الثنائية في طبقات من الذاكرة والفن (مصنوعة من الأرقام والأصفار والفولاذ ذي الآلياف البصرية الحساسة). تحوّلت المشهدية إلى معرض سياسي يروي قصة كل ما يصفع الإنسانية ويهدمها.

... ليسوا

أطل الفنان اللبناني/الفرنسي/السنغالي، في معرض يمثّل القدرة على إخراج أعمال في أصعب التجارب، مع تعذر شروط احترام الفردية في 72 منحونة تحت عنوان "لعبة الأرقام"، وكل الأعمال تتكوّن من شخصيات تمثل العالم الحالي والشعور بعنف الثقافة الرقمية.

جاءت حرب غزّة موضوعًا للتجربة الإنسانية المأسوية مع وجه الكراهية والبربرية

يتبع سي إحساسه الخاص في رحلة شخصية مخيفة بدأت في مدينة نيويورك، وتحديد الأحداث المروعة التي وقعت في 11 سبتمبر/أيلول 2001، المشهد (9-11)، الذي رأى فيه الناس يلقون بأنفسهم من أعلى الأبراج. ما غيرّ بشكل نهائي مفهومه للعالم من خلال ما رآه من شقته في شارع "تشامبرز". بعدها ترك الفن الفوتوغرافي، وانتقل إلى الرسم في مواضيعه الفوضوية وأجساده ودثارها الممزق ضد التسويقية والنزعة الأوليغارشية المالية والعنصرية في دعوة استرداد الوحدة والسلام، وبعد مرور تسعة عشر عامًا كان انفجار مرفأ بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، بمثابة تذكير بالنظر إلى الناس على أنها مجرد أرقام. داخل المربع جاءت حرب غزّة موضوعًا للتجربة الإنسانية المأسوية مع الاحتلال الاسرائيلي/وجه الكراهية والبربرية. وتبرز المرأة/الأنثى كفكرة مركزية ترمز إلى جوهر منح الحياة، الشيء الذي تدمره الحرب. بعدها يجعل الأرقام ترقص، في متاهة سفينة نوح التي يعاد زيارتها، صعودًا في السلالم الحديدية إلى الجنة (سلّم الملائكة)، وبالإشارة إلى محرك البحث غوغل Google)).

كل صفر يحمل قضيته الخاصة، هويته الخاصة في عالم يتسم بالاختلافات. تجهيز "غوغل"، يذكر، أنّ الوحدة لا تتطلب التماثل، بدلًا من ذلك، فإنه يزدهر في تحدي التجريدات.

أعمال تُشكّل قي مجموعها وحدة زمنية تبحث عن المساواة في الحكايات كخيط بمعناه الضائع، ومثل القديس توما عليك أن تلمس المنحوتات/الجرح لتصدّقها. إنه الحساب البارد للأرقام مع التسلسل الثنائي الصارم" 1/0".

نشيد حزين في بيروت يحاكي الماهيات (الحديد)، يتسلل من نوازع إغريقية، فينيقية، كانطية، استيطاقية رومانسية، ودادائية ملازمة للرغبة التي لا تقاوم بالتسبب بالأزمات وأوجاع الناس بلغة جيوسياسية وانثروبووجية وسوسيولوجية بمواجهة وحشية العالم.

استلاب إنساني بمعنى جدّي، عندما تصبح روح المجتمعات غريبة عن ذاتها في مادة "الاكوكوبوند". لكن القصة الأقوى بصريًا وعاطفيًا في الاكروبات، قفص حديدي ضخم وقضبان تلاقيه. سجن لكتل بشرية تمارس أعمالها من دون أن تدرك حالها.

السجناء في حالة توازن غير مستقر. واقع معكوس ومجهول يقلب الرموز، وما يوقظ الرغبة بقلب الأشياء ما يستدعي المساءلة، والدفع بالجميل فيما هو سلبي في أساليبه وظروفه التراجيدية.

القيمة الانسانية تقهقرت بإجماع العالم كله

يستكشف المعرض صعود لغة الأرقام مع مفاهيم الجماليات المعاصرة في عصر العولمة وعالم الذكاء الاصطناعي في فضاء تشكيلي طليعي مفتوح لفنان ومناضل اجتماعي وسياسي يناهض كل أشكال الحرب والعنف والتمييز والعنصرية، ويتساءل عما يعيد للناس كرامتهم في التقاط حواس الفولاذ المقاوم لصدأ عالم عبثي من الأزمات والمواجهات وركام الحضارات في الألفية الثالثة.

رحلة فينة في الميثولوجيا والتاريخ والأديان والأحداث، ومن خلال الانفجارات ومرضى "كوفيد" وضحايا كوارث الطبيعة والحروب والدكتاتوريات ورعب البشر (ارثر شوبنهاور)، وما يقتصر فيه على إحصاء أرقام النازحيين واللاجئين والقتلى وفي مشهد الاستيلاء على المستشفيات ودمار العمران.

لعبة الأرقام وتحدي التجريد من خلال القوة التحويلية للفن المفاهيمي. لكن كيف يمكن للفن إعادة صياغة القواعد في ملاقاتها الغامض ورموز التمزّق في ما أنجزه فنانون كثيرون ترجمة للأزمات الانسانية، برنكوزي، ليتشيز، دولاكروا، دانتي، بيكاسو، حيث القيمة الانسانية تقهقرت بإجماع العالم كله.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن