رفضت حكومة السودان مقررات قمة الإيقاد التي شارك فيها قائد الجيش الفريق عبد الفتاح البرهان في ديسمر 2023، ثم عادت وقبلتها، وأعلنت استعداد البرهان للقاء قائد الدعم السريع الفريق حميدتي. وفي هذه المرّة اعتذر حميدتي لأسباب غير معروفة.
عقدت منظمة الإيقاد قمة أخرى في يوغندا في يناير الماضي، قاطعها الفريق البرهان، ثم أعلنت حكومته تجميد عضوية السودان في منظمة الإيقاد وتفضيلها العودة لمنبر جدّة. وهكذا بدا أنّ مبادرة الإيقاد، التي ساندها الاتحاد الأفريقي لم تعد قادرة على جمع الرجلين وتنفيذ خارطة الطريق لحل الأزمة السودانية، والتي أعلنتها من قبل.
مبادرة دول جوار السودان
كانت المبادرة الاقليمية الأخرى بدعوة من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لعقد قمة لدول جوار السودان، وقد عُقدت في القاهرة في 13 يوليو 2023 بدعوة من الحكومة المصرية، وشارك فيها رؤساء أثيوبيا، أريتريا، ليبيا، أفريقيا الوسطى، تشاد، جنوب السودان، والرئيس المصري. وخُصص الاجتماع لمناقشة الأوضاع في السودان وسبل وقف الحرب والوصول لحل سلمي. اتفقت هذه الدول على بذل جهود حثيثة لوقف القتال باعتبار أنّها دول تتأثر سلبًا بحالة عدم الاستقرار في السودان بمثلما يتأثّر السودان نفسه.
واتفقت القمة على تشكيل خلية من وزراء الخارجية تلتقي دوريًا، وفعلًا انعقد الاجتماع الأول لوزراء الخارجية يوم 7 أغسطس 2023 في العاصمة التشادية أنجمينا، اعتمد خطة عمل من ثلاث نقاط هي: تحقيق وقف إطلاق نار نهائي، وتنظيم حوار شامل بين الأطراف السودانية، وإدارة القضايا الإنسانية، ودعا الاجتماع لإقامة مستودعات للمساعدات إنسانية في بلدان الجوار لتسهيل نقل المساعدات الإنسانية لمناطق السودان المختلفة وفقًا للبيان الختامي.
وانعقد الاجتماع الثاني يوم 19 سبتمبر في الأمم المتحدة بنيويورك حيث أكد على اعتماد خارطة الطريق والتنسيق بين الدول للعمل على تفعيلها.
مبادرة الاتحاد الأفريقي
منذ اللحظات الأولى التي صارت فيها قضية الحرب في السودان من ضمن جدول أعمال الاتحاد الأفريقي، ظلت ترشح أنباء بأنّ الاتحاد يفكر في دعوة مجموعة كبيرة من السودانيين إلى إجتماع يُعقد في العاصمة الإثيوبية، أديس أبابا، تحقيقًا لمبدأ إشراك القوى المدنية السودانية في جهود وقف الحرب عبر إطلاق عملية سياسية. وفي الأسبوع الأخير من شهر يوليو الماضي أعلن مسؤول كبير في الاتحاد الأفريقي أنّ الاجتماع سيكون بتاريخ 25 أغسطس الماضي، وسيشارك فيه عدد كبير من السودانيين.
أصوات متعددة داخل كابينة القيادة يرغب بعضها في استمرار الحرب لتحقيق مصالحه الخاصة
وتم نشر قائمة أولية للمشاركين تبين أنها تضمنت بعض القياديين في حزب المؤتمر الوطني المحلول، مما دفع قيادات في المعارضة، ومن بينهم قيادات في "الحرية والتغيير" الإعلان عن رفضهم المشاركة، وتشبيه هذا الاجتماع بأنه شبيه باجتماع "فندق السلام روتانا" الذي دعت له اللجنة الثلاثية (يونيتامس- الاتحاد الأفريقي- إيقاد) قبل الحرب، وقاطعته قوى المعارضة، وأنه سيكون مكافأة لمن تآمروا على فترة الانتقال وأشعلوا الحرب، وماتت هذه المبادرة في وقتها.
لقاء البحرين
انعقد لقاء بين وفدين يمثلان الجيش والدعم السريع في المنامة في شهر يناير من هذا العام. رأس وفد الجيش الفريق شمس الدين كباشي مساعد القائد العام، ووفد الدعم السريع نائب القائد الفريق عبد الرحيم دقلو. بحسب المعلومات فقد تم اللقاء في سرية تامة بوساطة وحضور من الولايات المتحدة، السعودية، الإمارات، مصر، والبحرين. وتوصل الاجتماع لمشروع وثيقة اتفاق حمله رئيسا الوفدين للتشاور، لكن يبدو أنّ الضعوط على قيادة الجيش كانت كبيرة، فرفضت الاتفاق، بل ووصلت لمرحلة إنكار حدوث اللقاء، وإن كان النفي جاء على لسان صحفيين وإعلاميين وسياسيين يقفون في صف الجيش، في حين امتنعت المصادر القيادية الرسمية عن التعليق تمامًا.
المبادرات الفردية
من بين المبادرات الفردية لوقف الحرب كانت دعوة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت في أواخر شهر أبريل 2023 قائدَيّ الجيش والدعم السريع للقاء في جوبا وبحث سبل إنهاء الحرب، كما تم تضمين هذا اللقاء ضمن مقترحات منظمة الإيقاد. وقد أعلنت جوبا أنها تلقت موافقة مبدئية من الفريق عبد الفتاح البرهان على مقترح اللقاء، وأنّ الرئيس سلفا كير يتواصل مع البرهان وحميدتي منذ أيام، لإجراء لقاء بين الجانبين وحل الأزمة الراهنة، كما أنّ كير دعا طرفَيّ الصراع في السودان لوقف إطلاق النار، مبديًا استعداده لزيارة الخرطوم في أي وقت. لكن هذا اللقاء لم يتم، بل زار جوبا ممثلان للطرفين دون لقاء مباشر بينهما، ثم اعتذر سلفا كير لظروف صحية عن رئاسة لجنة السودان بالإيقاد، وآلت المهمة للرئيس الكيني وليام روتو. وقد زار البرهان جوبا في سبتمبر 2023 والتقى سلفا كير.
كما أعلنت ليبيا عن دخولها في جهود الوساطة ودعت البرهان وحميدتي لزيارة طرابلس في زيارتين منفصلتين، لم ينتج عنهما شيء.
لماذا فشلت المبادرات في وقف الحرب؟
الجزء الأكبر من هذا المقال حاول أن يحصر كل المبادرات ومحاولات حل النزاع السوداني ووقف الحرب التي تُكمل بعد أسابيع عامها الأول.
ولهذا يصبح من المنطقي أن يتساءل كل مهتم بالأوضاع في السودان: لِمَ لم تنجح كل هذه المبادرات والمحاولات في وقف الحرب ووضع خطى البلاد على طريق السلام، وما هو الجزء الناقص من تميمة الحل..؟
وسنحاول هنا أن نجمع الملاحظات والتعليقات المختلفة التي تحاول الإجاية على هذا السؤال.
غياب الإرادة السياسية:
وهذا السبب له ركيزتان يستند عليهما:
1- أولهما استمرار الاعتقاد عند كل طرف بأنه سينتصر في لحظة قادمة، ولهذا يتعلق أمله بالاستمرار في الحرب حتى تحين اللحظة الموعودة، ولهذا أيضًا ترتفع الأصوات التي ترفض المصالحة ووقف الحرب كلما تقدّم طرف عسكريًا.
لولا الدعم الخارجي لما امتلكت الأطراف القدرة على الاستمرار في الحرب مع ظروف السودان الاقتصادية المعروفة
2- عدم توحد سلطة اتخاذ القرار، بوجود أصوات متعددة داخل كابينة القيادة يرغب بعضها في استمرار الحرب لتحقيق مصالحه الخاصة، كما في حالة الجيش الذي يجد دعمًا من تيار الحركة الإسلامية، أو تعدد المجموعات المسلحة على الأرض ووجود تناقض في مصالحها بحيث يصعب على القيادة السيطرة عليها، وهذا موجود في الجانبين.
ضعف العمل الشعبي المدني
لقد ظلت الحالة المؤدية للحرب ظاهرة وبادية للعيان في المشهد السياسي السوداني لأشهر قبل بدء الحرب. ورغم بعض الجهود التي بذلتها الحركة السياسية ممثلة في قوى الحرية والتغيير، والكتلة الديمقراطية، وبعض قيادات العمل المدني، إلا أنه من الواضح أنّ حالة عدم الاستقرار السياسي والجهود التي بذلها المكوّن العسكري لإضعاف العمل المدني، بجانب الخلافات التي نشبت بين شركاء العمل السياسي، قد أضعفت العمل المدني الشعبي وجعلت قدرته على التأثير على جناحي المكوّن العسكري ضعيفًة وقليلة التأثير.
ضعف أو غياب الضغوط الإقليمية والدولية
تتمتع دول مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، بجانب الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، وبعض دول الخليج، بجانب مصر، بنفوذ واضح في السياسة السودانية، وكان يمكن لهذه الدول أن تمارس ضغوطًا أكبر على الأطراف المتحاربة بشكل يهدد مصالحها ويدفعها نحو الموافقة على وقف إطلاق النار.
كثير من المبادرات لم تجد دعمًا شعبيًا كان يمكن أن يمثّل رافعة لها لو أنها قدّمت تصورات لقضايا ما بعد الحرب
لكن ظلت هذه الضغوط تُمارَس لفظيًا مما أضعف فاعليتها وقلل من تأثيرها، وكان هذا الضعف سببًا في عدم تجاوب أطراف الحرب مع دعوات وقف إطلاق النار أو الالتزام الجاد بالهدن التي تم الاتفاق عليها وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية.
الدعم الخارجي لحالة الحرب
لعبت بعض الدول الخارجية دورًا في إشعال الحرب منذ البداية، بالإيحاء والتحريض، ثم استمرارها وإطالة أمدها عبر الدعم السياسي والعسكري لأطراف الحرب، ولولا الدعم الخارجي لما امتلكت هذه الأطراف القدرة على الاستمرار في الحرب طوال ثمانية أشهر مع ظروف السودان الاقتصادية المعروفة. وقد تنوّعت أشكال التدخل بتقديم الدعم المادي والعسكري والعملياتي، وفتح الحدود من بعض الدول لمرور الدعم الخارجي، وهناك اتهامات بمشاركة فعلية محدودة من بعض الدول.
غياب الرؤى والتصورات العملية لوقف الحرب.. ولما بعدها
اتسمت كثير من الوساطات والمبادرات بالدعوة لوقف الحرب والطلب من الطرفين الجلوس للحرب دون تقديم تصوّر عملي أو رؤية ومقترحات محددة لكيفية وقف الحرب، ربما ما عدا خطة عمل منظمة إيقاد. كذلك فإنّ كثيرًا من المبادرات لم تجد دعمًا شعبيًا، كان يمكن أن يمثّل رافعة لها، لو أنها قدّمت تصورات عامة لبعض قضايا ما بعد الحرب، مثل وضع العسكريين في الحوار السياسي الذي سيعقب الحرب، ووضع قوات الدعم السريع وهل سيكون لها دور سياسي في المرحلة المقبلة أم لا، وما هي الأطراف التي ستشارك في الحوار السياسي... إلخ.