منذ عام 2020 أُجريت أربع انتخابات لمجلس الأمة، ما يعني أن متوسط عمر المجلس سنة واحدة، بينما من المفترض أن يستمر لمدة أربع سنوات. ومنذ عام 2000 حتى 2024 أُجريت الانتخابات اثنتي عشرة مرة تقريباً، ما يعني أن متوسط عمر المجلس سنتان خلال عشرين سنة، وإذا ما قارنا ذات الفترة منذ 1981 إلى سنة 2000 فلقد أُجريت 6 انتخابات، أي أن المجالس حينها كان متوسط عمرها ثلاث سنوات وثلاثة شهور.
وإذا ما قارنا هذه الفترات الثلاثة سنجد بأنه كلما تقدمنا في الممارسة الديموقراطية قل متوسط عمر مجلس الأمة.
أما في ما يتعلق بعمر الحكومات، فمنذ 1981 إلى سنة 2001 تشكّلت 10 حكومات، ما يعني أن عمر الحكومة سنتان، بينما تشكلت 18 حكومة منذ عام 2001 إلى 2021 بمعدل سنة وثلاثة شهور لعمر الحكومة، أما متوسط عمر الحكومة منذ عام 2021 إلى 2024 فهو ينحصر بأقل من ستة شهور فقط. وهذا يؤكد الفرضية السابقة وهي أنه كلما تعزّزت ممارستنا الديموقراطية يقل عمر الحكومات والمجلس!
الخطورة تتمثل في عدم الاستقرار المؤسسي للسلطتين الذي له تداعياته الخطيرة على منظومة الأمن الشامل للدولة، حيث تتعطل التنمية وتتواضع الخدمات وتتزايد مظاهر عدم الثقة بين السياسيين وبين المواطنين وبين المؤسسات الرسمية والمدنية!
السؤال المستحق هو: هل عدم الاستقرار المؤسسي المتصاعد هو بسبب الديموقراطية أم بسبب ممارستنا لها؟ بالتأكيد هو أن الديموقراطية يفترض أن تقود إلى الاستقرار السياسي وازدهار الدولة من خلال تعزيز الحريات والحقوق المدنية وتحقيق المؤسساتية للدولة، وهذا ما يقودنا إلى القول إن هناك إشكالية حقيقية في ممارسة الديموقراطية التي تنتج تراجعاً في القدرة على إدارة المؤسسات بشكل يحقق أهداف الدولة الإستراتيجية.
إن هذا التواضع في الأداء لإدارة المؤسسات (التشريعية والتنفيذية) لا شك أنه سينعكس سلباً على الثقة الشعبية بها والانتقال من الإيمان بدولة المؤسسات إلى دولة الأشخاص أو الفئات والطوائف التي تشكّل ما يسمى بمؤسسات الظل التي يرجع لها الفرد لحل مشاكله!
هذا التواضع في الأداء يقود دون شك إلى أمراض كثيرة أهمها إضاعة عمر ووقت الدولة في قضايا هامشية مقارنة بالقضايا الإستراتيجية. هذا التراجع في الأداء يقود إلى سجال شعبي وسياسي مريض يلقي باللائمة على الآخر لتتفشى بعد ذلك أوبئة العنصرية والتمييز بين المواطنين!
ماذا يمكن عمله؟ لا بد من التفكير في اتجاهين متساويين. الأول، هو العناية بالتنمية البشرية بحيث يتم الاهتمام بالعناصر الوطنية ذات الكفاءة وتسليمها إدارة المؤسسات وفقاً لمعايير مجردة وليس وفقاً لحسابات تقليدية معروفة. والاتجاه الثاني، هو القدرة على القفز خارج الصندوق في معالجة قضايانا الوطنية والتنموية من خلال إجراء نقد بناء لخطة التنمية والإجراءات البيروقراطية وتحديث أساليب الإدارة وتطبيق فعلي للقانون وتشجيع حقيقي للتفكير الإبداعي دون ضغوط من اتجاهات تعصبية، ولا شك أن فوق كل ذلك هو الاعتناء بالتعليم ومؤسساته وتحريرها من الحزبية والفئوية والنخب التي هيمنت عليها لتقوم بدورها الحقيقي في إنتاج جيل قادر على الإبداع والتفكير النقدي والمتسلح بالمهارات المهنية ولديه ثقة بقدراته على القيادة والتغيير والإصلاح.
إذا لم يتم ذلك، فعلينا أن نتوقع بأن الانتخابات التالية ستكون خلال سنة أو أقل!
("الراي") الكويتية