قضايا العرب

عامان على "نقل السلطة": القيادة الجماعية في اليمن تتعثّر

اليمن - محمد الغباري

المشاركة

قبل عامان فوجئ اليمنيون بإعلان الرئيس عبد ربه منصور هادي من مقر إقامته في العاصمة السعودية نقل سلطاته إلى مجلس رئاسي مكوّن من ثمانية أشخاص يمثلون التشكيلات العسكرية المناهضة للحوثيين. بعد أن انحدر أداء السلطة المعترف بها دوليًا إلى أدنى مستوياته، ومعها وصلت العلاقة بين التحالف وهادي مرحلة اللا عودة لكن التغيير المنشود لم يحقق حتى الآن ما كان يأمل الداخل والخارج منه.

عامان على

اتسمت فترة حكم الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي بالرتابة والعجز والصدام مع أطراف في التحالف العربي وسيطرة طرف سياسي على القرار والمناصب، ولهذا غادر الرجل موقعه بطريقة غير متوقعة ولم يأسف عليه أحد، لكن ومع دخول مجلس القيادة الرئاسي عامه الثالث تبخرت الوعود بإحداث نقلة نوعية في إدارة المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا وتحسين الخدمات ومكافحة الفساد والحد من الإنفاق الباذخ وتقاسم المناصب.

لم يقدّم المجلس الرئاسي حتى الآن ما يمكن أن يشكل تحوّلًا في إدارة الشأن العام، كما تبيّن أنّ توحيد القوى السياسية المناهضة للحوثيين أُمنية لا تزال بعيدة المنال، وفشل أعضاؤه الثمانية في التوافق على اللائحة المنظمة لعمله قبل إحالتها إلى مجلس النواب للموافقة عليها لإكسابها الطابع القانوني، لكن ذلك لم يتم ونصف أعضائه تقريبًا لا يتواجدون في عدن وإن شاركوا في أي اجتماع فإنّ ذلك يتم عبر الاتصال المرئي (Video Call).

وخلال هذه الفترة من عمر المجلس الرئاسي اقتصرت الخلافات داخله على إصدار قرارات التعيين في الحكومة أو دوائر مكتب رئاسة الجمهورية، أو في البعثات الدبلوماسية وتعيين المحافظين، وظهر أنّ كلّ عضو يصدر توجيهات متضاربة وتشكيل لجان وفرق بدون استشارة بقية الأعضاء، أما توحيد التشكيلات العسكرية فقد رحل إلى أجل غبر معروف وتم الاكتفاء بتشكيل غرفة عمليات مشتركة لا يبدو حتى الآن أنها قادرة على تفعيل وحدة العمل العسكري لمواجهة الحوثيين.

واشنطن ماضية في التعامل مع الحوثيين عبر الضربات العسكرية والإغراء بمكاسب سياسية إذا أوقفوا هجماتهم

المجلس الذي يُتهم بالعجز، يتوزّع أعضاؤه في غالب الأوقات في عواصم دول المنطقة، والبعض في مناطق سيطرتهم، وظهر أنّ محاولة للإصلاح أو التغيير باتت أسيرة التقاسم الحزبي، فقد أدى عدم التوافق على شخصية رئيس الحكومة إلى تأخير تغيير رئيس الوزراء السابق معين عبد الملك أكثر من عام، وهذه الطريقة لا تزال تتحكم بتغييرات مرتقبة في الحكومة الحالية والتي رحّلت إلى حين التوافق بين الأطراف المشكّلة للمجلس.

ومع فشل مقترح دمج وتوحيد التشكيلات العسكرية لأعضاء المجلس الرئاسي لأسباب مرتبطة بتناقض المشاريع السياسية لكل طرف، فإنّ الحكومة عجزت منذ ما قبل نهاية العام 2023 في صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم قبل أن تتدخل السعودية وتقدّم دعمًا عاجلًا للموازنة العامة ووفق شروط وصفت بأنها صعبة لمواجهة الفساد والاختلالات المالية التي تم رصدها خلال التعامل مع الوديعة السعودية الأولى، فيما تولت الإمارات توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء.

عشية الولوج في العام الثالث على نقل السلطة من الرئيس هادي، الذي أغضبت إدارته للدولة أطرافًا سياسية داخلية والتحالف بقيادة السعودية، يظهر للمتابع أنّ القيادة الجماعية عاجزة عن فعل شيء في الجانب الاقتصادي مع استمرار الحوثيين في منع تصدير النفط الخام، والذي ترتب عليه عجز كبير في موارد الدولة عجزت معه الحكومة عن الاستمرار في استمرار صرف مرتبات الموظفين في مناطق سيطرتها منذ ما قبل نهاية العام الماضي وحتى اليوم كما عجزت عن توفير الوقود لمحطات توليد الكهرباء.

وبالمثل فإنّ خطوات السلام التي كان يعتقد أنها دخلت مرحلتها الأخيرة تعطلت بسبب العدوان الإسرئيلي على قطاع غزّة ودخول الحوثيين على خط الأزمة من خلال استهداف السفن الاسرائيلية أو المتجهة إلى الدولة العبرية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. وسعى الجانب الحكومي للاستفادة من المواجهة بين القوات الأمريكية والبريطانية في البحر الأحمر لصالحها وطالبت بدعم قواتها لتحرير الحديدة.

ولم تقتصر التحديات التي واجهت خارطة الطريق التي أعلنها مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبررغ في نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي على تجميدها وترحيل التوقيع عليها إلى حين عودة الهدوء إلى المنطقة، بل زادت التعقيدات التي تعترض طريق السلام بتصنيف الولايات المتحدة الحوثيين كجماعة ارهابية، وما ترتب على ذلك من قيود إقتصادية وتصاعد المواجهة في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن بين الحوثيين والقوات الأمريكية والبريطانية.

الأولوية الآن هي مأسسة مجلس القيادة الرئاسي وصياغة رؤية وطنية وآليات لصنع القرار داخله 

ومع ذلك فإنّ المجلس الرئاسي المتعثر حاول الاستفادة من المواجهة بين القوات الأمريكية والبريطانية في البحر بأنه أبدى الاستعداد لاستئناف القتال ضد الحوثيين وانتزاع بقية محافظة الحديدة من سيطرتهم وإنهاء آخر تواجد لهم على البحر، اعتقادًا من أعضائه أنّ الأضرار التي لحقت بالولايات المتحدة جراء الهجمات الحوثية ستجعلها تساند القوات الحكومية في عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على ميناء الحديدة، لكنّ دبلوماسيين غربيين أكدوا أنّ هذا الأمر غير ممكن وأنّ واشنطن لا يمكنها أن تتورط في حرب داخلية في اليمن وأنها ماضية في التعامل مع الجماعة الحوثية عبر خياري الضربات العسكرية والإغراء بمكاسب سياسية إذا أوقفوا هجماتهم.

ولهذا، فإنّ سياسيين وباحثين يمنيين يقللون من أهمية الخطاب الحكومي بشأن استئناف العمل العسكري ضد الحوثيين ويؤكدون على أنّ الأولوية الآن هي مأسسة مجلس القيادة الرئاسي، وصياغة رؤية وطنية وآليات لصنع القرار داخله لإنهاء الصراع بين أعضائه. لأنّ المجلس يدخل عامه الثالث أمام تحديات أكبر وأكثر، ولا يزال اتجاه البلاد العام موضع تساؤلات. وطلب هؤلاء بتقييم المرحلة الماضية من عمل المجلس على كافة المستويات بما فيها ضوابط عمله، وخطة الحكومة والحوكمة الرشيدة، وتعزيز دور المحليات، والاستقرار السياسي والاقتصادي، وتحييد المؤسسات الاقتصادية والوزارات السيادية عن التقاسم الحزبي، وتقديم الخدمات وإصلاح البنية التحتية، وتفعيل دور الأجهزة الرقابية والمحاسبية.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن