تقدير موقف

بعد "الهجوم الإيراني".. هل ينجح بايدن في تكرار سيناريو بوش الأب؟

كما يقول المصريون قامت الولايات المتحدة بـ"الواجب وزيادة" تجاه حليفتها المشاغبة إسرائيل ووفرت كل ما لديها من إمكانيات عسكرية لإحباط الهجوم الموسّع الذي قامت به إيران في وقت متأخر من مساء السبت الماضي مستخدمةً مئات الطائرات المسيّرة المفخخة والصواريخ بعيدة المدى في هجوم مباشر نادر على الدولة العبرية، ردًا على استهداف مقر قنصليتها في دمشق ومقتل سبعة من قادة "الحرس الثوري" مطلع الشهر الحالي.

بعد

وسائل الإعلام الأمريكية نقلت عن مسؤولين في وزارة الدفاع، البنتاجون، أنّ غالبية الطائرات المسيّرة والصواريخ الإيرانية تم اعتراضها وإسقاطها قبل وصولها إسرائيل سواء عن طريق حاملات الطائرات والسفن الأمريكية المنتشرة في البحرين المتوسط والأحمر، ومن القواعد الثابتة للقوات الأمريكية في الدول "الصديقة" مثل الأردن والعراق، أو في شمال سورية.

أما الصواريخ والمسيّرات التي نجحت في اختراق حاجز الدفاع الأمريكي الأول وأضاءت سماء إسرائيل، فاعترضتها منظومات الدفاع الجوي التي تغطي الكيان الصهيوني بالشراكة مع الولايات المتحدة، مثل القبة الحديدية وغيرها من نُظم الرادار المتطورة.

المفارقة أنّ إيران شاركت عدوها اللدود و"الشيطان الأكبر" هدف عدم الانزلاق نحو توسيع الحرب

والمحصلة النهائية أنّ الهجوم الإيراني الموسّع لم يسفر عن إلحاق أي خسائر بشرية أو مادية سوى سقوط شظايا على قاعدة عسكرية في النقب، وإصابة طفلة بدوية.

لكن يبدو أنّ الحماية الأمريكية "المصهورة بالحديد" للكيان الصهيوني، وفقًا للتعبير الذي حرص الرئيس الأمريكي الصهيوني الكهل جو بايدن على تكراره منذ أن تأكد أنّ طهران قررت الرد على استهداف مقر قنصليتها، تقف عند هذا الحد.

وكان لافتًا الحرص الرسمي الأمريكي على نشر ملخص للمكالمة الهاتفية التي جرت بين بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بينما الصواريخ والمسيّرات الإيرانية كانت تتجه إلى سماء المدن الإسرائيلية، مؤكدًا أنّ واشنطن ستبقى دائمًا وأبدًا ملتزمة بـ"الدفاع" عن حليفتها، لكنها "لن تشارك في أي عملية عسكرية" قد تفكر تل أبيب في شنّها ضد إيران ردًا على ذلك الهجوم.

وهذه رسالة أمريكية واضحة على الالتزام بالنهج نفسه الذي حرصت عليه منذ بدء حرب الإبادة الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني في غزّة منذ ستة شهور، وهو عدم توسيع الصراع والسماح باندلاع حرب إقليمية موسّعة في المنطقة خدمة لنتنياهو ورغبته في البقاء في منصبه للأبد. والمفارقة أنّ إيران شاركت عدوها اللدود و"الشيطان الأكبر" أمريكا هدف عدم الانزلاق نحو توسيع حرب الكيان الصهيوني ضد غزّة أو خوض مواجهة إقليمية تحرق الأخضر واليابس.

وبعد سلسلة هجمات تعرضت لها القواعد الأمريكية في العراق وسوريا من قبل مجموعات موالية لإيران اعتراضًا على شراكة واشنطن لإسرائيل في حرب الإبادة ضد الفلسطينيين في غزّة، والتي بلغت قمّتها بالهجوم على القاعدة الأمريكية التي لم تكن معروفة من قبل على الأراضي الأردنية في نهاية شهر يناير/كانون الثاني الماضي وأدت لمقتل ثلاثة جنود أمريكيين، توصّل الطرفان عبر الوسطاء التقليديين مثل سلطنة عمان والعراق إلى اتفاق غير معلن بوقف هذه الهجمات، وهو ما تحقق عمليًا على الأرض في الشهرين الماضيين.

وحتى بعد الهجوم الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع الشهر الجاري والذي أصرّت واشنطن أنها لم تكن على دراية مسبقة به، رجحت غالبية التوقعات أن يبقى الرد الإيراني محدودًا نسبيًا، شبيهًا بذلك الذي قامت به في أعقاب اغتيال الولايات المتحدة بقرار من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لقائد "فيلق القدس" قاسم سليماني فور وصوله مطار بغداد بداية العام 2020.

حكومة الدواعش التي يرأسها نتنياهو ستصرخ وتعول وتطالب بالهجوم السريع والرد الساحق على الهجوم الإيراني على اعتبار أنه يُعد خرقًا غير مسبوق لأحد المحرّمات التي حرص الكيان الصهيوني على ترسيخها منذ إنشائه في 1948، وهو أنّ جيش الاحتلال هو الذي يبادر دائمًا بالهجوم، بينما لا تتعرض الأراضي التي يسيطر عليها الكيان الصهيوني للهجوم.

وبالفعل، تعالت أصوات المجانين في حكومة نتنياهو تطالب باستهداف المنشآت النووية الإيرانية عقابًا لها على تجاوز الخطوط الحمراء واستهداف إسرائيل بالصواريخ بعيدة المدى والمسيّرات.

وفي الأيام القليلة القادمة سيتبيّن إذا ما كان نتنياهو سيلتزم بالتحذير الأمريكي المبطن من القيام بهجوم ضد إيران يدفع المنطقة نحو حرب إقليمية، أم سيواصل سياسة السعي نحو الهروب إلى الأمام من حرب غزّة الإجرامية وتحويلها إلى قصة هامشية لا يلتفت لها العالم في ضوء العواقب الوخيمة المتوقعة لو توسعت بالفعل المواجهة الإيرانية-الإسرائيلية والتي يعلم الجميع أنها لن تقتصر على جبهة واحدة، بل ستشمل كل جبهات ما يسمى بـ"محور المقاومة" الموالي لطهران بدايةً من لبنان ومرورًا بالعراق وسوريا واليمن.

التحدي الذي سيواجه بايدن هو إذا كان نتنياهو سيواصل دفع المنطقة نحو مواجهة ساخنة لمداراة فشله

ورغم اختلاف السياق والظروف، فإنّ اختبار إجبار إسرائيل على الانصياع لأوامر الراعي الرسمي الأمريكي بعدم الرد على هجوم نادر يأتي من الخارج لن يكون الأول من نوعه. ففي أعقاب قيام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بغزو واحتلال الكويت في العام 1990، أراد زيادة شعبيته في العالم العربي عن طريق استهداف الكيان الصهيوني بصواريخ ألحقت ضررًا محدودًا للغاية على مدى أسابيع الحرب القصيرة. وقتها قال الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب بصرامة لقادة الكيان: إياكم وأن تقوموا بالرد، ونحن سنوفر لكم الحماية.

الرئيس الأمريكي الحالي بايدن وفر كل ما تحتاجه إسرائيل من حماية في مواجهة الهجوم الإيراني الأخير، ولم تلحق بها أية خسائر سوى ترسيخ شعور الإسرائيليين بأنهم فقدوا الشعور بالأمان في "وطن اليهود". لكن التحدي الذي سيواجه الرئيس الساعي للحفاظ على منصبه في انتخابات ساخنة بعد شهور قليلة هو إذا ما كان نتنياهو سينصاع لطلبه بعدم الهجوم على الأراضي الإيرانية عبر التأكيد على أنّ واشنطن لن تشترك معه في تلك العملية المحتملة، أم سيواصل دفع المنطقة برمتها نحو مواجهة ساخنة لا يرغب فيها أي طرف سواه لمداراة فشله في منع الهجوم المذل الذي قامت به المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن