فى الصفحة الأولى من جريدة الشروق عدد يوم السبت الماضي كان هناك خبران ملفتان للنظر. الأول عنوانه يقول: «واشنطن تعترف: المجاعة بدأت في غزة». والخبر الثاني يقول عنوانه: «أمريكا تندد بالصمت الدولي إزاء حرب السودان».
ملخص الخبر الأول يقول إن سامانتا باور رئيسة الوكالة الامريكية للتنمية الدولية تطرقت إلى التقرير الأخير للتصنيف المتكامل لمراحل الأمن الغذائي الذي أعدته منظمات تابعة للأمم المتحدة ويفيد بأن المجاعة تقترب بالفعل في غزة.
وأقرت باور بأن المنهجية التي تم استخدامها في إعداد التقرير موثوقة.
أحد أعضاء مجلس النواب الأمريكي سأل باور هل بدأت المجاعة في غزة، فردت بنعم، معترفة بأنه لم يكن هناك جوع بين أطفال غزة قبل ٧ أكتوبر الماضي، في حين أن معدل الجوع بين الأطفال ارتفع بنسبة ٣٣٪.
أما مضمون الخبر الثاني، فيقول إن سفيرة أمريكا في الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيد قالت إن صمت العالم ينبغي أن يتغير لمواجهة انتشار المجاعة والكوليرا والحصبة، العنف الذي يحصد عددا لا يحصى من الأرواح.
وعلى المجتمع الدولي أن يقدم المزيد، خصوصا أن ما تم تقديمه لا يلبي أكثر من ٥٪ من الاحتياجات الإنسانية التي طلبتها الأمم المتحدة.
السؤال: لماذا هذان الخبران ملفتان للنظر؟ الإجابة ببساطة لأنهما يعكسان مدى ازدواجية المعايير في النظرة الأمريكية. بل والنفاق الواضح والصريح للإدارة الأمريكية بشأن صراعين مختلفين.
الولايات المتحدة هي الممول الأكبر للأسلحة إلى إسرائيل التي تقتل بها الفلسطينيين منذ ٧ أكتوبر الماضي وحتى هذه اللحظة. هي الدولة التي قدمت لإسرائيل كل أنواع المساعدات من أول الأسلحة بمختلف أنواعها مرورا بالدعم الدبلوماسي في مجلس الأمن والمنظمات الدولية، والتمويل المالي نهاية بالحرب نيابة عنها في البحر الأحمر ومواجهة إيران والقوى الداعمة للمقاومة الفلسطينية.
المعنى المنطقي الوحيد لإقرار الولايات المتحدة بوجود مجاعة في غزة، هو أن تتوقف واشنطن عن دعم إسرائيل بالسلاح والمال والفيتو حتى يتوقف العدوان الإسرائيلي، وإذا حدث ذلك، فسوف تدخل المساعدات بكل أنواعها وتنتهي المجاعة، بل ويبدأ إعمار غزة وإعادة ما دمره الاحتلال. نعرف تماما أن الدعم الأمريكي هو الذي تسبب في سقوط أكثر من ٣٤ ألف قتيل و٧٦ ألف جريح وآلاف المفقودين، ودمر أكثر من ثلثي مبانى غزة ومنشآتها وبنيتها التحتية وحول أكثر من ثلثي السكان إلى نازحين في القطاع.
وبسبب ذلك انتشرت المجاعة في القطاع، ولجأ الفلسطينيون إلى أكل أوراق الشجر، وعلف الحيوانات وشرب مياه البحر بعد غليها، والنتيجة هي أن الكثيرين خصوصا من الأطفال ماتوا بسبب هذا العدوان. لم يكن بمقدور إسرائيل مواصلة العدوان من دون الدعم الأمريكي، وبالتالي حينما تقر واشنطن بأن هناك مجاعة في قطاع غزة فالمفترض أن تدرك أنها السبب الأساسي في هذه المجاعة، ولا يمكن التبجح بأنها تطالب إسرائيل بإدخال المزيد من المساعدات، لأن كل ذلك يظل كلاما عاما وتصريحات إعلامية لا أكثر.
قد تكون إدارة بايدن مختلفة تكتيكيا مع حكومة بنيامين نتنياهو، لكنها متفقة تماما مع الأهداف الإسرائيلية العليا في تصفية القضية الفلسطينية حتى لو كانت تعلن أنها مع حل الدولتين لفظيا.
في الخبر الثاني تندد واشنطن باستمرار العنف والحرب والمجاعة والأمراض في السودان والسؤال: ولماذا لا تندد بنفس الأفعال في غزة؟ من المؤكد أن ما يحدث في السودان حرب عبثية وتستحق كل تنديد وشجب وإدانة من الجميع، لكن أليس من الغريب والعبثي أن ما تفعله واشنطن وتدعمه في غزة وسائر أنحاء فلسطين تدينه في السودان؟ جيد أن تدين أمريكا وغيرها ما يحدث في السودان، لأنه فعلا يستحق الإدانة، لكن أليس من الحكمة والمنطق والعقل والأخلاق أن تكون المعايير واحدة وموحدة وليست مزدوجة ومتغيرة حسب نوع المعتدي والضحية.
ينسى كثيرون أن الولايات المتحدة فرضت عقوبات طويلة جدا على الحكومات السودانية المتعاقبة بتهمة دعم الارهاب، لكنها أسقطت كل ذلك حينما تم إرغام الخرطوم على التطبيع وإقامة علاقات مع إسرائيل، كشرط لإسقاط العقوبات ورفع اسمها من قوائم داعمي الإرهاب.
من حق الإدارة الأمريكية أن تساند إسرائيل كما تشاء، لكن عليها ألا تندهش حينما تجد غالبية الشعوب العربية، والإسلامية بل والدولية مصدومة وغاضبة من هذه السياسة وحينها لا يحق لها أن تسأل: لماذا يكرهوننا؟.
("الشروق") المصرية