صحافة

الرابحون والخاسرون من الصواريخ الإيرانية

أحمد موسى

المشاركة
الرابحون والخاسرون من الصواريخ الإيرانية

قبل المقامرة الإيرانية بشن هجمات على الكيان الصهيوني مساء 13 أبريل، كان العالم يقف بجانب فلسطين، وفي القلب منها غزة، التي دفعت الولايات المتحدة والدول الغربية إلى اتخاذ مواقف غاضبة من إسرائيل، وأصبح نتنياهو في شبه عزلة دولية، واحتلت الإبادة التي نفذها جيش الاحتلال طوال الأشهر الماضية صدارة الإعلام الدولي، واللقاءات والاتصالات بين قادة دول العالم، فكانت غزة هي محور كل شيء، بل وذهبت الدول الأوروبية إلى الحديث عن وضع الحلول المناسبة للاعتراف بدولة فلسطينية، كل هذه السيناريوهات والترتيبات للأسف الشديد انتهت مع الرد الإيراني على الكيان الصهيوني، انتقاما لقيام إسرائيل بتدمير القنصلية الإيرانية في دمشق وقتل محمد رضا زاهدي القيادي في الحرس الثوري و 6 آخرين.

وقبل التجهيز لهذا الرد نقلت إيران تفاصيل عمليتها إلى الولايات المتحدة، والتي بدورها أبلغت إسرائيل بالمخطط الإيراني وطريقة الرد البهلوانية، والتي كان هدفها فقط إظهار قدرة النظام الإيراني على المواجهة، وحتى حفظ ماء الوجه أمام شعبه الذي كان ينتظر نتائج هذه الضربات، ومنذ الثورة الإيرانية في مارس 1979 استمر الخطاب الدعائي من قادة إيران وأذرعهم في المنطقة على قدرتهم لتدمير إسرائيل أو حتى إزالتها من الوجود في الخطب الرنانة والحماسية لدغدغة مشاعر البسطاء، واستخدموا الخطاب الديني في الإثارة، بل وحتى التحريض للشعوب العربية لكي تقوم بالفوضى من أجل دعم غزة، رغم أن إيران لم تقدم طوال تاريخها شيئا لدعم القضية الفلسطينية سواء في المحافل الدولية، أو حتى من خلال تحركات أذرعها التي تعمل دائما لخدمة المصالح الإيرانية، وليس الفلسطينية، وهذا ما رأيناه، فلم تتحرك إيران، ولم تقامر بأي عمل من أراضيها طوال أكثر من 40 عاما لنصرة شعب فلسطين، ورغم استشهاد نحو 35 ألف فلسطيني في غزة منذ أكتوبر الماضي لم تطلق إيران رصاصة واحدة من أراضيها، لكنها تحركت فقط عندما تعرضت سيادتها للخطر بضرب قنصليتها في دمشق.

عملية حفظ ماء الوجه الإيرانية، كانت مرتبة ونفذت حسب الاتفاق الإيراني الأمريكي، وهو ما أدى إلى قيام الولايات المتحدة برفع استعداد قواعدها في المنطقة والتنسيق مع إسرائيل وبريطانيا وفرنسا، للتصدي للطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية، التي أطلقت من الأراضي الإيرانية، وحسب بيانات صدرت من إسرائيل، فإن هذه الضربات الإيرانية التي استمرت على عدة مراحل ما بين إطلاق المسيرات أولا وتبعتها الصواريخ الباليستية لمواقع محددة داخل إسرائيل، كانت جميعها تزن 60 طنا من المتفجرات وأُسقط 99% منها في الجو قبل وصولها لأهدافها المحددة، وعلى الفور تحول العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة إلى إدانة السلوك الإيراني، وتقديم الدعم الكامل إلى حكومة المتطرفين الصهانية، بل وبدء تسليم جيش الاحتلال شحنات من الأسلحة التي كانت توقفت الفترة الماضية بسبب الإبادة التي يرتكبها نتنياهو في غزة، وسارعت الدول الغربية لبناء تحالفها مع إسرائيل للدفاع عنها، وتحول مجرم الحرب نتنياهو من قاتل إلى ضحية، ومنحت إيران لرئيس حكومة الكيان الصهيوني قبلة الحياة ودفعت الرأي العام الدولي إلى التعاطف مع إسرائيل... بعد أن كانت المظاهرات تخرج في كل الدول لإدانة جرائم الاحتلال الصهيوني... هكذا ساعدت الضربات الإيرانية المنسقة مع الولايات المتحدة وإسرائيل في تراجع الاهتمام بما يجري في غزة والضفة الغربية، وخففت الضغط الدولي على نتنياهو، الذي يحظى حاليا بدعم كبير، بل والتجاوب مع مطالبه، ويعمل الكونجرس الأمريكي على إصدار تشريعات سريعة كلها تصب في صالح دعم إسرائيل عسكريا وماليا رغم أن الضربات الإيرانية لم تقتل إسرائيليا واحدا..!!.

وبعد هذا الفشل الكبير لهذه الضربات الإيرانية المتفق عليها مع أمريكا نجد البعض يعتبرون ما قامت به إيران نصرا كبيرا، وكأن هؤلاء يعيشون في كوكب آخر أو رأوا نتائج هذه الضربات في الداخل الإسرائيلي لم يرها غيرهم... النتيجة خسرت إيران وكسب نتنياهو، لكن ما قبل 13 أبريل مختلف عما بعده، فالمنطقة ستكون لديها ترتيبات وحسابات وتحالفات وردود أفعال وتوترات أكثر مما هي عليه الآن.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن