بعد زوبعة فى فنجان الحرب، التي لم يتغير منها شيء، انتفضت حناجر بعض المتابعين، لمجرد محاولة قراءة الأوضاع فيما سُمي الهجمات الإيرانية على إسرائيل وما بعدها، التي تفاعل خلالها المجتمع الدولي خصوصًا بريطانيا وفرنسا وقبلهما الولايات المتحدة الأمريكية بالطبع، لتواصل تلك الدول تقديم دعمها اللامحدود للكيان المحتل، ورغم ما قيل من محاولات الجانب الإسرائيلي للرد على تلك الهجمات، والتي قال عنها الكيان نفسه إنها لم تكن ذات تأثير يُذكر، غير أن ثمار الأحداث فيما بعد كانت في اتجاه مضاد للقضية الفلسطينية بأكملها، التي اكتسبت تأييدًا شعبيًا واسعًا على مستوى العالم، وكذلك تأييد رسمي من كثير من الحكومات، وليس من بينها حكومات الغرب.
لذا فإن ما يهم الآن هو ما ترتب على الحدث، أولا من إقرار مجلس النواب الأمريكي حزمة المساعدات الضخمة الموجهة للكيان المحتل التي كان بايدن يطالب بها منذ أشهر، وقد بلغت قيمتها نحو 17 مليار دولار، وقبل ذلك وبعده لا تزال الآلة العسكرية الإسرائيلية المجرمة القذرة تعمل في غزة دون رادع وبالسلاح الأمريكي ذاته، بل إن الكيان قد توسع خلال الأيام الماضية في توجيه ضربات متفرقة على مناطق عدة بقطاع غزة، لترتفع حصيلة الشهداء من الأطفال والنساء والرجال بعد 200 يوم من الحرب، إلى أكثر من 35 ألف شهيد، وتنوع الهجوم من طرف واحد مسلح بين القصف بالطائرات والقصف المدفعي، مغطيًا أماكن عدة بالمناطق الجنوبية والشرقية والجنوبية الغربية، في الشيخ عجلين، وتل الهوا، والزيتون، وتل السلطان في رفح، والبراهمة، والشعوت، والرمال، وعلى مخيم النصيرات وخان يونس والبريج، ودير البلح، ومخيم المغازي، وسط استمرار الوضع الكارثي في المستشفيات، ونزوح أكثر من 90% من السكان إلى الجنوب، واستمرار الاحتلال في ارتكاب جرائم الحرب واكتشاف مقابر جماعية بمجمع ناصر الطبي بمدينة خان يونس، مع استمرار إخفاق المجتمع الدولي في تفعيل أي آليات للمحاسبة، تجاه الانتهاكات الإسرائيلية لقواعد القانون الدولي، ما أدى إلى مزيد من الانتهاكات وتفاقم الدمار والمآسي الإنسانية.
غير أن أبرز التطورات على الأرض، والذي يمكن استنتاجه من التحرك الأمريكي خلال الفترة الماضية، هو استعداد الكيان المحتل لاقتحام واجتياح رفح، التي تضم نحو مليون ونصف مليون نازح، وتشن حاليا الطائرات الحربية الإسرائيلية غاراتها على المدينة المكتظة بالنازحين، وتؤكد جميع المؤشرات العسكرية والسياسية اقتراب شن عملية عسكرية كبرى على رفح الفلسطينية، قدم لها من قبل وزير الخارجية بلينكن الذي صرح بأن الإدارة الأمريكية لا يمكنها دعم عملية عسكرية (كبيرة) في رفح، معنى ذلك أن واشنطن تدعم عملا عسكريا ولكن «ليس كبيرًا» بحسب تصريحه، وعلى الرغم مما تبديه الولايات المتحدة وحكومات الغرب من ممانعات ظاهرة ـ كما تعودنا ـ فإن تحرك الاحتلال الآن يتجه بقوة لتنفيذ ما يريد، خصوصًا بعد تعبئة لواءين عسكريين إسرائيليين، وتأكيد مجرم الحرب نتنياهو، عزمه القيام بعملية عسكرية على رفح الفلسطينية.
وفي بجاحة منقطعة النظير ادعت إحدى الصحف الأمريكية، تداول الجانب المصري مع الاحتلال حول خططه للاجتياح المزمع لرفح، وهو ما نفته بشكل قاطع هيئة الاستعلامات المصرية، مع توضيح تحذيرات مصر المتكررة، والتي وصلت للجانب الإسرائيلي، منذ طرحه فكرة تنفيذ عملية عسكرية في رفح، بما سيتبعه ذلك من تداعيات شديدة السلبية على استقرار المنطقة كلها. فهل يرتدع الكيان ويدرك أن خسارته رغم كل تلك الجرائم ستكون دائما الأكبر، خصوصًا في ظل المقاومة والبطولة الكبيرة التي يقدمها الفلسطينيون، الذين يفخخون العلم لينفجر في أجساد المحاولين لاقتلاعه، ولا يزال أبناء غزة الأبية يحتفلون بمناساباتهم الاجتماعية ويقيمون الأفراح بين المخيمات، بل يلعبون مع أطفالهم.
("الأهرام") المصرية