هل تسمح بشطحة يتسلّق بها القلم وعور الجبال إلى الأبراج العالية، فيحظى بإسماع علماء اللغة نداءً عاجلاً ؟ لن يكون القارئ ضنيناً، أمّا اللغويون، فالأمل فسيح. لا بدّ للعربية من حلول عصرية تمكّنها من مواكبة زماننا وملابساته وظروفه وعلومه وتقاناته وسرعة حركته. هذه لابدّيّات، لا مناصات، وليست ترفيّات وكماليّات.سبق الحديث مراراً عن أن مجامع اللغة، هي السلطة التشريعية اللغوية، التي يحق لها مقاربة العربية وقواعدها. لا يجوز لأنظمة التعليم، الاجتهاد والتصرف في بنى العربية، تبسيطاً أو تطويراً. هذه لغة اثنين وعشرين بلداً، فتخيّل الفوضى «الخلاقة» التي ستُلحق الدمار الشامل بلغتنا. لك أن تأخذ «الخلاّقة»على أنها تترك اللغة خَلَقاً أي خرقاً بالية.
حين دعا المفكر الاقتصادي البريطاني آدم سميث، إلى تطوير الإنجليزية بجعلها بضاعة، خفيفة، مفيدة، عملية، رشيقة، سهلة الاستعمال، لم يقل له أحد من اللغويين: «ما شأنك واللغة؟ أنت رجل اقتصاد، فعليك بالأسواق والتجارة، وإلاّ ألقمناك الحجارة». لكن حِمْل المفكّر كان ريشاً، لأن الإنجليزية ليست لها التزامات أمانتها ومسؤوليتها من الوزن الأثقل من الثقيل.
أمّا علماء اللغة العرب، وخصوصاً الذين هم أعضاء المجامع، فلهم محاذير جعلها بعضهم محظورات. إدراكنا لجسامة العقبات التي تعترض سبل التبسيط والتطوير، لا يعني أن بقاء دار لقمان على حالها، أفضل. تأمل ما حلّ بالعالم العربي، حين أهمل حلّ مشكلاته المزمنة المتفاقمة في التنمية والجغرافيا السياسية، نخره سوس ساس العالم ويسوس.
يقيناً، علوم اللغة العربية كلها، قامت وسمقت، وصارت أكبر مكتبة نحو وصرف وبلاغة في تاريخ اللغات للحفاظ على القرآن الكريم. هنا، على العلماء الأفاضل إعادة ترتيب بيت مباني اللغة، وهذا لا يستطيع الاضطلاع به غيرهم. لقد تداخل النحو والبلاغة إلى حدّ يصعب تصوّره، وهذا النهج تأسس قبل عبدالقاهر الجرجاني (كتاب أسرار البلاغة)، واستمرّ بعد الزمخشري (تفسير الكشّاف)، إلى أيّامنا، في المجلدات الأربعة «معاني النحو» للعلاّمة الدكتور فاضل السامرائي. على علمائنا أن يبيّنوا لنا هذه القضيّة، وللأجانب الراغبين في تعلّم لغتنا بعمق: هل علينا أن نفهم القرآن بوساطة العربية وهي السابقة على التنزيل، أم أن نفهم العربية بوساطة القرآن الكريم؟ في الحالة الأولى سيكون سهلاً التعامل مع العربية تبسيطاً وتطويراً. أمّا في الحالة الأخيرة فسيكتسب النحو والصرف قداسة من التنزيل، وتغدو البلاغة جزءاً من القواعد. وعندئذ تمسي اللغة مستحيلة التبسيط والتطوير.
لزوم ما يلزم: النتيجة الموضوعية: القضية لا يستطيع النظر فيها إعلاميون أو مثقفون، إلاّ المجامع، وإلاّ فلا حلّ.
("الخليج") الإماراتية