هل أي شخص أو جهة أو دولة تنتقد السياسات والجرائم الإسرائيلية أو حتى العنصرية الصهيونية سيتم اتهامها ودمغها بأنها معادية للسامية؟! للأسف يبدو أن الإجابة هي نعم بفعل البلطجة الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وأوروبيا.
ومنذ بدأ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ ٧ أكتوبر الماضي وحتى الآن، فقد اكتشف العالم أجمع مدى الوحشية والهمجية التي ارتكبها جيش الاحتلال وأدت في حصيلة أولية حتى الآن إلى حوالى ٣٥ ألف شهيد و٧٧ ألف جريح وآلاف المفقودين وتدمير غالبية قطاع غزة بمبانيه ومنشآته وبنيته التحتية وتحويل ١٫٢ مليون فلسطيني إلى نازحين، والأخطر تحويل قطاع غزة إلى مكان غير قابل للحياة. وبسبب المشاهد الدموية واللاإنسانية التي ارتكبها جيش الاحتلال، فقد تضامن وتعاطف ملايين البشر في كل أنحاء العالم مع الشعب الفلسطيني، بعد أن اكتشفوا مدى الدموية الإسرائيلية.
التضامن العالمي أفقد إسرائيل وقادتها صوابهم، وبدأوا يتهمون كل شخص يتضامن مع الفلسطينيين أو ينتقد إسرائيل بأنه معاد للسامية، بل إن هناك أصواتا يهودية محترمة انتقدت إسرائيل فتم اتهامها بأنها كارهة لنفسها.
يوم الخميس الماضس وجه عضو مجلس الشيوخ الأمريكي المعروف بيرني ساندرز أعنف انتقاد لإسرائيل في هذا الصدد، فقد خاطب نتنياهو قائلا: إن القول بأن حكومتك قتلت ٣٤ ألف فلسطيني في ٦ شهور ليس معاداة للسامية، وأن إدانة تدمير حكومتهم لجامعات ومدارس غزة وحرمان ٦٢٥ ألف من التعليم ليس معاداة للسامية، وما تفعلونه في غزة هو القضاء على نسيج الحياة هناك وليس القضاء على حماس. ساندرز من أشجع وأهم السياسيين في أمريكا والغرب الذي يواجه المتاجرة الإسرائيلية المستمرة بـ«المعادة للسامية».
ورغم أن العرب ساميون وينتسبون أيضا إلى سام بن نوح، فإن اليهود يحاولون احتكار الانتماء للسامية، والمعروف أن الانتشار الفعلي لمعاداة السامية لم يكن بالأساس في البلدان العربية أو الإسلامية ضد اليهود، بل إن العكس هو الصحيح، فاليهود عاشوا بمساواة شبه كاملة في معظم البلدان العربية في حين أنهم واجهوا ظروفا مأساوية في العديد من البلدان الأوروبية كانت ذروتها أثناء الحكم النازي في ألمانيا الذي ارتكب جرائم ضخمة ضد فئات كثيرة بينهم اليهود والغجر. معاداة السامية وصلت في بعض الأحيان إلى قيام دول أوروبية كبرى بمنع اليهود من دخول أراضيها.
لكن المأساة أن كل معاناة اليهود في أوروبا دفع ثمنها العرب، وصار بعض الأوروبيين يشاركون الإسرائيليين في ترويج مصطلح معاداة السامية. ومنذ الجرائم التي ارتكبها الأوروبيون بحق اليهود لعقود طويلة حتى نهاية الحرب العالمية الثانية، فإن زرع إسرائيل في المنطقة العربية كان في أحد جوانبه محاولة أوروبية للتخلص من «المسألة اليهودية» ليدفع ثمنها الفلسطينيون والعرب. اليوم فإن كل من يتجرأ على انتقاد أي سياسة إسرائيلية فيتم اتهامه فورا بأنه معاد للسامية.
حينما كانت الدول العربية في أوج قوتها خصوصا بعد انتصار السادس من أكتوبر المجيد فقد حشدت دوليا وتمكنت من إصدار قرار مهم من الجمعية العامة للأمم المتحدة في ١٠ نوفمبر ١٩٧٥ يؤكد أن الصهوينية أحد أشكال العنصرية، لكن إسرائيل ومن خلفها أمريكا تمكنت من إصدار قرار عام ١٩٩١ من الجمعية العامة للأمم المتحدة يلغي هذا القرار، لإقناع إسرائيل بالمشاركة في مؤتمر مدريد للسلام. اليوم عشرات الدول ومئات السياسيين لا يتجرأون على انتقاد إسرائيل وسياستها الإجرامية، حتى لا يتم اتهامهم بالمعاداة للسامية، وهي التهمة التي تجعلهم منبوذين أمريكيا، ولا أحد يجرؤ على التعامل معه أوروبيا.
وبالتالي فإن ما فعله ساندرز وآلاف الطلاب في الجامعات الأمريكية هو ضربة مؤلمة جدا لكل المحاولات الإسرائيلية لدفع كل من يعارضهم بأنهم معادون للسامية. ظني الشخصي أنه لو استمرت الانتفاضة الطلابية ضد السياسات والمجازر الإسرائيلية خصوصا في أمريكا والغرب فإن تهمة المعاداة للسامية سوف يتم فضحها والتوقف عن المتاجرة بها.
("الشروق") المصرية