لم تتخيل إسرائيل أو مواطنوها أبدًا مأزقًا أكثر شدة من الذي تواجهه منذ ٧ أكتوبر 2023. إن ردود الفعل العنيفة على الحرب المستمرة في غزة قد تُكلِّف إسرائيل مركزها بين حلفائها.
لسنوات طويلة، كانت إسرائيل هي الابن المدلل، يعتبرها الكثيرون دولة ديمقراطية لها كل الحق في الدفاع عن نفسها، وتُدعم بشدة من قبل دول الغرب. لقد تحطمت هذه الصورة، وتواجه إسرائيل، دوليا ومحليا، طريقا وعرا وشاقا.
في البداية، تساءل العالم عن السبب وراء قيام حماس بمثل هذا الهجوم على الإسرائيليين الأبرياء في ٧ أكتوبر. ببطء ولكن بثبات أصبحت الأحداث التي أدت إلى مثل هذا الهجوم واضحة: ٧٥ عامًا من الاستعمار والعنصرية.
وبعد ٦ أشهر تلوثت صورة إسرائيل لتجد نفسها في مأزق: مستنزفة في غزة، منقسمة محليًا، معزولة دوليًا، وعلى خلاف متزايد مع أقرب حلفائها.
بات إلمام العالم بالقضية الفلسطينية واضحا. ويتضامن الملايين مع الفلسطينيين من خلال الاحتجاج عن ازدرائهم. كما مُنح المعلقون المؤيدون للفلسطينيين الوقت على موجات الأثير الغربية لنشر وجهات نظرهم، وهو أمر لم يكن ممكننا من قبل. ومحللون أمثال باسم يوسف، الكوميدي الساخر، وحسام زملط، السفير الفلسطيني، ونورمان فينكلستين، الناشط المولود لأبوين يهوديين ناجيين من المحرقة، جميعهم ظهروا على الهواء مرات عدة ليتحدثوا علناً عن الأزمة التي تخلقها إسرائيل.
حتى جنود الجيش الإسرائيلي متواطئون في إبراز وحشيتهم وانعدام أحاسيسهم في مشاهد علنية على وسائل التواصل الاجتماعي. يطلق الجنود الإسرائيليون النار على رجال معصوبي الأعين وعزّل في ظهورهم ويكدسونهم في الخنادق، ويلعبون بالملابس الداخلية للنساء الفلسطينيات ويعتذرون عن عدم تمكنهم من العثور على أطفال فلسطينيين لقتلهم، ويكتفون بقتل طفلة تبلغ من العمر ١٢ عامًا. والعالم يستنكر أعمالهم باشمئزاز.
لدى إسرائيل تاريخ من الأكاذيب الرامية إلى كسب التعاطف الدولي. بعد ٧ أكتوبر، انكشفت الآلة الدعائية الإسرائيلية وانتهكت إسرائيل أيضًا قوانين الحرب الدولية وتجاوزت الحدود المقبولة: عدم السماح بدخول الغذاء والدواء والماء إلى منطقة محتلة، واستهداف المدنيين عمدًا مثل أبناء وأحفاد الزعيم السياسي إسماعيل هنية، وقصف السفارة الإيرانية في دمشق، كلها تعني خرق القانون الدولي.
لقد أثارت مشاهد الدمار في مختلف أنحاء غزة قلق - حتى - أكثر أنصار إسرائيل حماسة، كما بدأ حلفاء إسرائيل يشعرون بالغضب إزاء نيات إسرائيل ورفضها الامتثال لإيقاف إطلاق النار. تحدد مقالة النيويوركر الصادرة في ٢٧ مارس بوضوح التغيير في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قائلة إن فكرة أننا نعطي كميات هائلة من المساعدات لدولة ترفض طلبنا بالسماح بمرور المساعدات الإنسانية، لذلك يتعين علينا إسقاط الغذاء جوا، هي محرجة للولايات المتحدة.
لذلك، فإن أولئك الذين كانوا دائما متضامنين مع إسرائيل، اليوم يتخذون إجراءات ضد اسرائيل. أوقفت كندا مبيعات الأسلحة إلى إسرائيل؛ وأعلنت إسبانيا وإيرلندا دعمهما حل الدولتين؛ ووبخت إيرلندا السفير الإسرائيلي علنا. وسحبت ايرلندا استثمارات بملايين اليوروهات من شركات إسرائيلية، وقد حظيت قضية الإبادة الجماعية من جنوب إفريقيا ضد إسرائيل بدعم الكثيرين. وحتى أعضاء مجلس الشيوخ الأمريكي، مثل إليزابيث وارين، قالوا إن تصرفات إسرائيل في غزة تعتبر إبادة جماعية؛ وشبّه لولا دا سيلفا، رئيس البرازيل، العمل العسكري الإسرائيلي بالمحرقة، في حين قيدت تركيا الصادرات إلى إسرائيل في ٥٤ منتجا بما في ذلك الأسمنت والصلب والألومنيوم.
كما أن الوضع المحلي في إسرائيل سيء للغاية. يخرج آلاف الإسرائيليين إلى الشوارع يوميا للاحتجاج على عدم قدرة الحكومة ونتنياهو على إعادة الرهائن أو التغلب على حماس.
ومع اعتزامها تسوية غزة بالأرض، اتحد حزب الله بلبنان والحوثيون باليمن وحماس بغزة جميعهم ضد إسرائيل. وكإجراء انتقامي، شنت إيران هجومًا بطائرات بدون طيار وبالصواريخ على إسرائيل. وعلى الرغم من عدم إصابة أي أهداف تُذكر، أغلقت إسرائيل مجالها الجوي، وطلبت من المواطنين الاحتماء، وظلت المدارس والشركات مغلقة لليوم التالي؛ هالة من التوتر غير العادي أصابت إسرائيل.
كما أن الصمود في وجه حرب طويلة الأمد له عيوب اقتصادية. مع اعتماد إسرائيل على احتياطيها المكون من ثلاثمائة ألف فرد ونزوح الآلاف على طول الحدود اللبنانية وانهيار قطاع السياحة، فقد أغلقت العديد من الشركات أبوابها. كان يبلغ عدد زوار إسرائيل أكثر من ٣٠٠ ألف شهريا واليوم تضاءل هذا الرقم إلى ٣٩ ألف زائر فقط، بينما غادر البلاد نصف مليون إسرائيلي. كما أن التطبيع مع الدول العربية على المحك. من المحتمل أن تكلف الأزمة الحالية إسرائيل خطة التطبيع التي كانت على وشك البدء فيها مع المملكة العربية السعودية.
لقد تحطمت المكانة التي اعتقدت إسرائيل أنها تمتلكها وشوهت الصورة التي طالما سعت إليها.
("الأهرام") المصرية