قضايا العرب

جبهة جنوب لبنان.. بين الضغط الدبلوماسي و"المواجهة الشاملة"!

في الأسابيع الماضية، طغى التوتر الإسرائيلي الإيراني على مختلف التطورات المرتبطة بالعدوان على قطاع غزة وجنوب لبنان، وارتفع منسوب المخاوف من أن يقود ذلك إلى إنفجار الأوضاع على مستوى منطقة الشرق الأوسط برمتها. إلا أن الولايات المتحدة نجحت، سواءً بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في دفع تل أبيب وطهران، إلى الإلتزام بالقواعد التي رسمتها لكلٍّ منهما، من أجل احتواء التوتر... لكن، بحسب المراقبين فإنّ الوضع القائم على خط الصراع الإقليمي قد لا ينتهي من دون أثمان تدفعها بعض الساحات العربية!.

جبهة جنوب لبنان.. بين الضغط الدبلوماسي و

في هذا الإطار، يرى البعض أنّ الجانب الإسرائيلي إستفاد من الهجوم الإيراني، المحدود والمنسّق مسبقًا، من أجل إستعادة بعض التعاطف الدولي معه، بهدف الإستثمار فيه من أجل العودة إلى استكمال مشاريعه في فلسطين والمنطقة، سواءً لناحية الإستعداد لمعركة رفح أو لجهة مواجهة التحديات التي يواجهها على جبهة جنوب لبنان.

ففي قراءة التطورات المستجدة على هذه الجبهة، ترى مصادر مطلعة عبر "عروبة 22" أنّ "المسار الذي سلكته الأحداث منذ افتتح "حزب الله" المواجهة العسكرية مع إسرائيل في 8 تشرين الأول الفائت، انحرف اليوم عن هدف مساندة حركة "حماس" وتخفيف الضغط عنها، على إعتبار أنّ إسرائيل لم تتوقف عن إرتكاب المجازر في القطاع الذي بات بأغلبه مدمّر، فأصبحت جبهة لبنان راهنًا "جبهة حرب قائمة بحد ذاتها" بمعزل عن مجريات الحرب في غزّة، من زاوية التحدي المتعلّق بسكان المستوطنات الشمالية ما دفع تل أبيب إلى فرض معادلة "الحل الدبلوماسي أو الحل العسكري" على الوسطاء لإنهاء الحرب مع لبنان".

إنطلاقاً من ذلك، دخلت العديد من الجهات الدولية الفاعلة على خط الوساطة بين الجانبين، أبرزها أميركا وفرنسا، بهدف إبرام إتفاق يتعلق بالحدود البرية بين جنوب لبنان وإسرائيل، يشبه ذلك الذي تم على مستوى الحدود البحرية. إلا أنّ "حزب الله" بقي مُصرًا على ربط وقف العمليات العسكرية في الجنوب بوقف إطلاق النار في غزّة.

وبالنسبة إلى المصادر نفسها، فإنّ "حزب الله" لا يبدو في وارد التراجع عن موقفه هذا، وبالأخص بعد الخسائر الجسيمة التي تكبّدها سواءً على مستوى الاغتيالات التي طالت قياداته أو الهجمات التدميرية التي طالت مناطق نفوذه في الجنوب، قبل أن يحرز "هدفين" من المعركة: "الأول يتماهى مع شعار "وحدة الساحات" تأكيدًا على ترابط جبهات المقاومة في الحرب كما في السلم، والهدف الثاني يتعلق بالإبقاء على ورقته التفاوضية قائمة على الطاولة إلى ما بعد انتهاء الحرب، بما يعني حُكمًا حجز موقع متقدّم لجبهة الإسناد الإيرانية على طاولة المفاوضات الإقليمية والدولية، بعدما بدا من استئثار الجانب العربي، عبر مصر وقطر، بعملية التفاوض على اتفاق وقف النار في غزّة وتحضير الأرضية اللازمة للتفاوض على المرحلة التي تلي انتهاء الحرب في القطاع".

وبناءً عليه، تضع المصادر ما برز بعد التراشق العسكري الإيراني الإسرائيلي من مؤشرات على رغبة الجانبين، أي إسرائيل و"حزب الله"، في التصعيد، ضمن إطار "رغبة الحكومة الإسرائيلية من جهة في توسيع رقعة الحرب للتمويه عن الإخفاق في تحقيق أهدافها من العدوان على غزّة، ورغبة قيادة "حزب الله" من جهة ثانية في تعزيز أوراق التفاوض مع الأميركيين في سبيل إنهاء الحرب على الجبهة اللبنانية، ومن هنا برزت معادلة "التوسيع مقابل التوسيع" التي يعتمدها الجانبان على مستوى توسيع نطاق الحرب بينهما".

في هذا السياق، وإذ نبّهت مساعدة وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف إلى أنّ احتمال التصعيد "حاد" بين إسرائيل و"حزب الله"، مشددةً على أنّ "هناك بالتأكيد احتمالًا لخفض التصعيد ثم الانتقال في نهاية المطاف إلى جهد ديبلوماسي لترسيم الحدود"، يترقب المسؤولون اللبنانيون ما سيحمله المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى بيروت من مقترحات لوقف الحرب على جبهة جنوب لبنان، وذلك غداة تلقيهم مقترحًا فرنسيًا مكتوبًا للغاية نفسها يرتكز بشكل أساس على تنفيذ القرار 1701 ونشر وحدات إضافية من الجيش اللبناني على الحدود الجنوبية بالتزامن مع "إعادة تموضع" مقاتلي "حزب الله" وراء "خط الليطاني". وتكشف مصادر نيابية لبنانية لـ"عروبة 22"، أنّ "العديد من الجهات الدبلوماسية نقلت، في الأيام الماضية، إلى الجانب اللبناني تحذيرات جدّية من احتمال ذهاب إسرائيل إلى تصعيد على الجبهة الجنوبية، في حال عدم إحراز تقدّم في المفاوضات الديبلوماسية".

وفي خلاصة المشهد، تختصر المصادر المطلعة الوضع القائم بالقول: "إحتمال التصعيد الإسرائيلي يبقى واردًا في أي لحظة لكنه مرتبط بحصول تل أبيب على غطاء أميركي، الأمر الذي لم يتوفر حتى الآن، كما أنّ "حزب الله" نفسه لن يكون بعيدًا عن خيار التصعيد في حال استشعاره خطرًا على مكتسباته العسكرية والميدانية التي راكمها طوال عقود في حال محاولة فرض "معادلة ردع جديدة" على جبهة جنوب لبنان تكون لإسرائيل اليد العليا فيها، وكذلك لا يكمن إغفال احتمال حصول "خطأ في التقدير" من قبل أي من الجانبين بما يؤدي إلى انزلاق الأمور إلى المواجهة الشاملة"، غير أنها تختم بالإشارة إلى أنه "حتى الساعة على الأقل، يبدو أنّ الجانبين لا يزالان يتجنّبان الوصول إلى سيناريو المواجهة الشاملة، ويفضّلان الإبقاء على حالة الضغط العسكري المتبادل في سبيل التعجيل بالتسوية الديبلوماسية وإعادة تكريس قواعد الإشتباك بشكل مقبول من كلا الطرفين".

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن