صحافة

لبنان.. حرب إسرائيل القادمة

عبدالرؤوف خليفة

المشاركة
لبنان.. حرب إسرائيل القادمة

ما فعلته الفصائل الفلسطينية في السابع من أكتوبر الماضي زرع الخوف بجوف الإسرائيليين وقادهم لإحساس عميق يفضي إلى أن حزب الله اللبناني ربما ينقض عليهم بعمل عسكري مشابه يحطم استقرار الدولة وينزع الأمن الذي تصور سكان مستوطنات الشمال أنهم بالغوه.. فقد كان دخوله طرفا في حرب غزة وفتح جبهة أخرى تحارب فيها قوات الاحتلال أمرا مزعجا وأذهب ما تسرب إلى وجدان الإسرائيليين إحساسا بالأمان وفرض ما حدث واقعا جديدا يوثق بشيوع خطر محدق يهدد وجود إسرائيل ووجب وضعه بالاعتبار وعدم التراجع بالقضاء عليه.

تواجه إسرائيل معضلة حقيقية في الشمال أدت لإجلاء ما يقرب من 80 ألف إسرائيلي إثر هجمات حزب الله القادمة من لبنان تزامنا مع بدء حرب غزة ووجدت مصيرها محاصرا على طول الحدود يواجه عمليات عسكرية نوعية ذات أهداف محددة أدت لغياب السيطرة الأمنية على تلك المناطق الحدودية وجرى تهجير سكان المستوطنات الشمالية لحين إيجاد رؤية تسهم بإعادة الأمن إليها بصورة أو بأخرى وما زال الأمل في مغيب الأفق يحول دون التوصل لاتفاق يعيد الهدوء ويوقف القصف المستمر.

ليس هناك في الأفق أمل غير مبادرة فرنسية تضل طريقها للوجود.. فلا تراوح مناطق المناقشات العاصفة التي سرعان ما وضعت أوزارها وتصورت إسرائيل أنها تحمل في ثناياها أملا للتهدئة وترغم حزب الله بالتوقف عن عملياته الحربية.. تصورت بغير منطق إعادة الأوضاع إلى سيرتها الأولى والقبول بالقرار الأممي رقم 1701 وحصر الانتشار المسلح بيد الجيش اللبناني وقوة الأمم المتحدة المؤقتة لحفظ السلام (يونيفيل).

جرت تحركات على صعيد الدبلوماسية الدولية بوساطة فرنسا الأقرب إلى الدولة اللبنانية وطرحت بدورها مبادرة سياسية تهدف لامتصاص حرب تلوح في الأفق بين حزب الله وإسرائيل وتعود بالوراء لسيناريو يوليو عام 2006 ورغم وجود ارتياح رسمي لبعض البنود فيها.. فإنها لم تراوح مكانها ولن يقبل الوجود بانسحاب مقاتلي حزب الله مسافة 12 كيلومتراً من الحدود مقابل وقف الانتهاكات الجوية الإسرائيلية وإنشاء لجنة رباعية تضم فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل ولبنان لمراقبة وقف الأعمال العدائية. مهما حملت المبادرات بين ثناياها النيات الطيبة لن يقبل حزب الله إعادة الهدوء والتوقف عن قصف المستوطنات الشمالية قبل انسحاب قوات الاحتلال من غزة وسوف تبقى جبهة المساندة في موقع المساندة أيا يكن الوقت ولن تقبل إسرائيل أيضا التوقف عن القتال إلا في حالة إبعاد مقاتليه عن جنوب نهر الليطاني وتبدي إصرارا قويا في ذلك الشأن بعدما أصبح الخوف يضرب قلوب الإسرائيليين خشية وقوع هجوم مماثل لما فعلته الفصائل الفلسطينية.

إن فكرة انسحاب حزب الله إلى نهر الليطاني وهو ما تصر عليه إسرائيل فكرة قديمة وساذجة ولن تقدم حلا طويل الأمد.. الصورة في إسرائيل كما في لبنان كما في العديد من الدول الكبرى قاتمة ومليئة بتفاصيل دقيقة.. بينما الحديث لا ينقطع عن حتمية انتقال الحرب الدائرة بين جيش الاحتلال والفصائل الفلسطينية بقطاع غزة إلى جبهة الحدود الإسرائيلية – اللبنانية وبات الإقدام على عمل عسكري ضد حزب الله لا مفر منه حتى يتسنى إزالة التهديد الخاضع له سكان مستوطنات الشمال.

وقد استعدت إسرائيل لإعادة الأمن هناك بأي وسيلة تراها مناسبة وإذا لم يتم ذلك تحقيقه عبر المساعي الدبلوماسية.. فسيتم من خلال القوة العسكرية.. فالرسائل التي تحملها تصريحات القيادات الإسرائيلية جلية وتتضمن إصرارا على استعادة الأمن وعودة السكان مهما كان الأمر مكلفا. دخول إسرائيل في حرب مع حزب الله مسألة حتمية.. ربما تكون في صورة هجوم بري محدود يصل إلى أعتاب نهر الليطاني لتطهير المنطقة الأقرب إلى الحدود وبناء منطقة عازلة.. فتلك خطوة لن يتراجع عنها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لسببين.. الأول، بقاؤه في السلطة أطول فترة للتعتيم على فشله في حرب غزة وإجهاض محاكمته على خلفية قضايا فساد. والثانى، دغدغة مشاعر الرأي العام الإسرائيلي الذي يطالب بالقضاء على حزب الله وتحطيم قدراته العسكرية. لن يثني إسرائيل شيء عن خوض حرب مع حزب الله.. فالخوف يسود بينهم من تكرار سيناريو السابع من أكتوبر واتخذت القرار وتنتظر الوقت المناسب للبدء في تنفيذه ويعمل نتنياهو على إعداد الرأي العام الإسرائيلي لحرب واسعة النطاق لتصفية خطر الشمال بما في ذلك احتلال الجنوب حتى يتمكن من هدم البنية الأساسية للحزب وتصفية مقاتليه ودون شك ينطوي قراره على مخاطر جسيمة وربما تكتب نهايته ويجر أذيال الخيبة وراءه من غزة إلى لبنان.. فالحرب هناك لن تكون نزهة لجيش الاحتلال.

("الأهرام") المصرية

يتم التصفح الآن