منذ أن قامت ثورة الثلاثين من يونيو عام ٢٠١٣ للقضاء على الفاشية الدينية، وإنقاذ مصر من السقوط في أنفاق مظلمة، لا نعلم متى وكيف تخرج منها كما حدث في كثير من البلدان المجاورة، ولم تتمكن حتى هذه اللحظة من الخروج منها، وتتعرض مصر لتحديات صعبة، وتهديدات لأمنها القومي من كل اتجاه!. فلم تصدق الحركات المتطرفة، والجماعات الإرهابية، والدول الداعمة لها، ما حدث من الشعب المصري العظيم في هذه الثورة العظيمة المنقذة للوطن من الضياع، ولذلك عملت هذه الحركات، والجماعات، والدول، على تدبير العديد من المؤامرات شرقا وغربا، شمالا وجنوبا، للقضاء على مكتسبات ٣٠ يونيو، وعرقلة المسيرة نحو تحقيق الأمن والأمان والاستقرار في كل ربوع الوطن!.
ولم يقتصر الأمر على القيام ببعض العمليات الإرهابية في سيناء وغيرها، والمساس بحق الشعب المصري في العيش في أمن وأمان وطمأنينة، ولكن قد وصل الأمر إلى نشأة وإقامة المنصات والفضائيات والصفحات الإلكترونية، لبث الفتن، وزعزعة الثقة بين الشعب والقيادة السياسية، وتزويد الشعب بالمعلومات الكاذبة والمضللة، وكأن أعداء الوطن يريدون عدم الاستقرار للشعب، وتشكيكه في كل شيء، كي لا يعيش في سلام داخلي مع النفس، انتقاما من قيامه بثورة الثلاثين من يونيو!.
ولذلك لم تصمت القيادة السياسية المصرية، ولم تقف مكتوفة الأيدي، بل أخذت تتحرك بقوة في كل اتجاه، ولم يقتصر الأمر على محاربة الإرهاب (...) ويشهد الواقع أن من حاول تجاوز الخط الأحمر في سرت والجفرة في ليبيا، قد رأت عيناه من أبطال الجيش المصري ما لم يره من قبل.
ولذلك يجب أن يطمئن الشعب المصري، لأنّ أي تجاوز للخط الأحمر، ومحاولة المساس برفح المصرية، سيواجه بكل القوة، وبكل البطش، فلا هزل، أو تخاذل، عندما يتعلق الأمر بالأمن القومي المصري!.
ولعل الجميع يدرك جيدا أنه منذ اندلاع الأحداث في غزة عقب ما أطلقت عليه حركة حماس «طوفان الأقصى»، قد اتخذت الدولة المصرية مواقف حاسمة، بسبب ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من انتهاكات صارخة لحقوقه، وقد تم الإعلان صراحة في كل المحافل، والمؤتمرات، والقمم الإقليمية، والدولية، أن مصر لن تقبل بتصفية القضية الفلسطينية، وأن محاولات التهجير القسري للشعب الفلسطيني في غزة، كي ينزح إلى سيناء، غير مقبول إطلاقا، وسيواجه بكل قوة، ولا يمكن التهاون في هذا الأمر!. كما أن القيادة السياسية المصرية قد قالتها صراحة أمام الجميع، وعلى مرأى ومسمع من جميع الدول والشعوب، أن الجيش المصري قد فعلها مرة، وإذا لزم الأمر أن يفعلها مرة أخرى، سيفعلها حفاظا على الأرض المصرية، وعدم المساس بها!.
نعم الدولة المصرية تتبنى نشر السلام في كل مكان، وأن الحوار، والتفاوض، والطرق الدبلوماسية، هي الأفضل والأنسب لحل أي خلاف، ووقف تفاقمه، إلا أن ذلك لا يعني أي شكل من أشكال الضعف أو الاستسلام، وأن مصر قادرة على مواجهة أي اعتداء قد ينال من مكانتها، أو هيبتها، وأن منطقة الشرق الأوسط بأكملها تدرك جيدا أن مصر هي اللاعب الأساسي في كل ملفات وقضايا المنطقة، وأن أي محاولات تهدف إلى تهميش الدور المصري، لن يتم السماح بها، وستبقى مصر دولة محورية، وقوية، يسعى لها الجميع في جميع الموضوعات الشائكة التي تخص المنطقة!. وقد شاهدت معظم الشعوب، ومعظم القيادات في العالم، ما تقوم به مصر من دور عظيم إزاء كل ما يحدث في فلسطين، وأن مصر فتحت كل المعابر تيسيرا لوصول المساعدات الإنسانية للأبرياء في قطاع غزة، وأن مصر تحملت الكثير، وما زالت تتحمل من أجل عدم تصفية القضية الفلسطينية، والحفاظ على حقوق الشعب الفلسطيني، خاصة حقه في تقرير المصير، وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية.
كما أن مصر قد ساهمت بشكل كبير في معالجة بعض الأخطاء المرتكبة من حركة حماس، وعدم قراءة هذه الحركة لبعض الأحداث بصورة جيدة، مما أثر بلا شك على مسار التفاوض مع الجانب الصهيوني، ولعل ما حدث مؤخرا من حماس، وقصفها معبر كرم أبو سالم، قد أدى إلى تراجع المفاوضات لتحقيق الهدنة، وقد أعطى للإدارة الصهيونية وجيشها الفرصة في عرقلة هذه المفاوضات، وقصف رفح الفلسطينية، واقتحام معبر رفح الفلسطيني، وتعرض أكثر من مليون ونصف مليون مواطن تقريبا للخطر الداهم!.
وقد ناشدت مصر المجتمع الدولي بسرعة التدخل معها للضغط على الجانب الإسرائيلي، لإتاحة الفرصة للجهود الدبلوماسية، وأن يتراجع الجيش الإسرائيلي عن تصعيد الأمر في رفح الفلسطينية، وأن هذا التصعيد قد تترتب عليه عواقب وخيمة، ويجب ضبط النفس، وأن يعود الجميع إلى طاولة المفاوضات، تحقيقا للهدنة المستدامة، لأن أي محاولات خفية، تهدف إلى استغلال الموقف، والمساس برفح المصرية، لا يمكن الوقوف أمامها كالمشاهد، ولكن سيتم على الفور التعامل معها بكل الطرق، وفقا للسيناريوهات التي وضعتها الإدارة المصرية، وكيفية التعامل مع كل سيناريو حفاظا على الأمن القومي المصري.
("الأهرام") المصرية