وجهات نظر

"آخر طلقة" في بندقية إيران الثورية!

القضية الفلسطينية هي قضية كل عربي، والظلم الذي وقع ولا زال على هذا الشعب العربي هو ظلم عظيم، والشهداء الذين سقطوا في غزّة في الحرب التي فجّرتها عملية 7 أكتوبر هم بكل المقاييس شهداء عملية إبادة جماعية لم يسبق في التاريخ أن حدثت، وصلافة اليمين الإسرائيلي والأيديولوجيا الصهيونية أيضًا غير مسبوقة في لا إنسانيّتها، كل ذلك مؤثر بعمق في ضمير العربي، أيًا كان هذا العربي. تلك حقيقة لا يجب المزايدة حولها.

أخذًا بتلك الحقيقة، هناك حقيقة أخرى أيضًا صاحبت هذه القضية، وهي الأطراف التي تستفيد منها وتوظّفها لأهدافها، بدايةً كان العسكر العرب (بصرف النطر عن النيات) فوقعت انقلابات في بلدان الثقل العربي من مصر والعراق وسوريا واليمن والسودان وليبيا، جلّها إن لم يكن كلّها حمل شعار (تحرير فلسطين) وعانت الأمّة من الكثير من القمع بسبب ذلك ومن المزايدة أيضًا، وانتهت تلك الأنظمة بفشل ذريع في الداخل وتجاه القضية الفلسطينية.

ثم جاء الإسلام الحركي، المضاد للعسكر والمؤيّد ظاهريًا للقضية، وفشل بعد أن مزّق الأوطان، وأكبر مثال هو السودان في عصر البشير، ومن ثم التقطت إيران المشروع لتقول إنها قاعدة لما سُمّي (محور المقاومة) وعلى ذلك ذابت الدولة في لبنان، وتعثّرت في سوريا، وتبعثرت في العراق، وانقسمت في اليمن، من بين المظاهر التي تظهر أمامنا.

إيران غير قادرة ولا راغبة في الدخول في صراع مباشر ومكشوف وهمّها الرئيس ليس محاربة إسرائيل

وبعدها جاء من يُقنع الأخوة في "حماس" أنّ إدامة الانشقاق الفلسطيني هو في صالح القضية، فأصبحت (إمارة غزّة الحمساوية) هي رأس الحربة، وهكذا بقناعة إيرانية من اجل التشويش على (الاستكبار الدولي - أمريكا وتابعتها إسرائيل) تم التضحية بأرواح الغزّاويين، وأيضًا بشعارات ثورية، ولكن ليس لها أي تأثير في تقدّم القضية.

الآن المطروح هو مبادرة مصرية، قطرية، بمباركة أمريكية، ولكن الحقائق على الأرض تنبئنا بأنّ أفضل ما سوف يتم هو الآتي:

- تصحير غزّة وحرمانها من أي مورد اقتصادي

- خروج أو تقليص نفوذ "حماس" في غزّة، وربما مطاردة قيادتها في الخارج

- اشتباك (مسلّح) ذو طابع العلاقات العامة بين إيران وإسرائيل، يعرف الطرفان حدوده وسقف الصراع فيه.

- بقاء نفوذ إسرائيلي في غزّة، وترتيب إدارة مشتركة تهيمن على عملها الأمني إسرائيل.

- عجز على الصعيد الدولي، إلى درجة تهديد محكمة الجنايات الدولية من مغبة اتخاذ قرار ضد إسرائيل.

صحيح أنّ هناك صيحة في أوساط كثيرة في العالم تندد بالصلف الإسرائيلي، ولكن هذه الصيحة لا يمكن صرفها سياسيًا، لأنّ العمل السياسي الغربي، لا زال محكومًا بقواعد لعبة المصالح، ومثقلًا بما قامت به الصهيونية العالمية لسنوات طويلة من تعبئته بعقد الذنب في أعمال "الهولوكوست" التي لا زالت طاغية في أوساط كثيرة، عدا التأثير المالي والإعلامي الثقيل للصهيونية في تلك المجتمعات.

في الغالب لن يخرج الصراع في غزّة (رغم عظم التضحيات) بأيّ نتيجة لها معنى للشعب الفلسطيني، طبعًا سوف نسمع "صيحات الانتصار" المدوية من البعض، كما حدث سابقًا في الحروب مع إسرائيل، وسوف نسمع من (أحمد سعيد) آخر و(محمد سعيد الصحاف) آخر، كل الشعارات في "قاموس النصر"!!

في القضية الفلسطينية لا أفضل من استراتيجية "الوحدة الوطنية" التي تكف عن التخوين والتحالف مع القوى الخطأ 

تبيّن من الأحداث الجارية أنّ إيران غير قادرة ولا راغبة في الدخول في صراع مباشر ومكشوف، لكنها قادرة حتى الآن على وضع غشاوة سياسية على أعين (مستفيدين أو مغرر بهم أو غير ذلك) مما يُسمى "أذرع إيران" في عدد من الدول العربية، وهمّها الرئيس ليس محاربة إسرائيل، كما كانت تقول في السابق، بل سوف يُرفع الشعار الذي رفعه العسكر العرب بعد عام 1948 أي أنّ "العدو في الداخل وليس في الخارج"، وستقول "حماس" إنّ من هزمها هو "موقف العرب" وليس انعدام الحكمة في اتخاذ القرار، ولن تلوم لا من قريب ولا من بعيد "محور المقاومة"، في عملية شهدناها تتكرر كثيرًا في ثلاثة أرباع القرن الماضي.

سوف يعتبر البعض أنّ ما تقدّم من تحليل يُشكّل إحباطًا من نوع ما، ولكن آن الوقت لكي يدقّ بعضنا الجرس، وأن ننقد المسيرة السياسية التي تأخذنا من إحباط إلى آخر، لذلك يتوجب أولًا نقد الذات وثانيًا وهو الأهم تصميم استراتيجية واضحة.. وفي القضية الفلسطينية بالذات لا أفضل من استراتيجية "الوحدة الوطنية" التي تكف عن تخوين الآخر من جهة، وأيضًا تكف عن التحالف مع القوى الخطأ، وتشنّ حربًا شعواء ضد الفساد!.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن