من فرط ما استفحلت المأساة في غزة، كدنا ننسى مصطلح «اليوم التالي» الذي روّج بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، له في بدايات الحرب، ممنيّاً نفسه ومؤيديه أنه قادر على إنهائها وتحقيق أهدافها في أقرب وقت، وبالتالي بدأ في صياغة تصوراته لما بعدها، خاصة فيما يتعلق بإدارة القطاع بعد غيبة «حماس» النهائية.
وبعد سبعة شهور جرى فيها ما شهده العالم جميعاً، وبدلاً من الالتفات إلى الأصوات المطالبة بألا تستفحل المأساة والمحذرة من عواقب استمرارها على المنطقة كلها، ها هو بنيامين نتنياهو يتعامى عن كل الواقع، ويقفز إلى أمور تشي بأنه منفصل عن معطياته.
يفتش نتنياهو في دفاتره القديمة الخالية حتى الآن من أي هدف محقق، فلا نصر في غزة يختم به مسيرته السياسية وينجّيه من المساءلة، ولا غيبة ل«حماس» عن المشهد، ولا بقي في القطاع إلا الثمار المُرّة للإصرار على التصعيد.
وبينما ينشغل العالم بتداعيات ما تفعله القوات الإسرائيلية في رفح، اختار نتنياهو المضي في التعامي عن الحقائق، وصم الآذان عن التحذير من الخطر المحدق بالمنطقة، وتذكّر«اليوم التالي» لغزة، ورطته الكبرى التي يصر أن يصنع من مأساتها مجداً سياسياً شخصياً، فإذا هي تعيده إلى دائرة الخسارة، بل تصيبه بحالة من إنكار الواقع.
هذه الحالة تجعله وسط حالة القلق التي تعصف بالجميع في المنطقة والمتغيرات اللافتة في مواقف دول العالم من القضية الفلسطينية، يتحدث عن إدارة غزة الممزقة، بل يمارس هوايته في خلط الأوراق والزج باسم الإمارات في سيناريوهاته المتوهمة.
وليس ذلك بجديد على نتنياهو الذي مارس هذه الهواية مع مصر وقطر وأنكر جهودهما في ملف الوساطة ودفع المفاوضات حول صيغة إنهاء الحرب من باب إشعارهما بحرج أو التشويش على مواقفهما بما يخدم مصالحه.
وبالطريقة نفسها، يتصور أن وضع اسم الإمارات في سياق حلمه بـ«اليوم التالي» الذي تبعده سياساته عنه، يمثل ضغطاً في أي اتجاه، أو وسيلة لتبديل مواقف مبدئية في تعامل الدولة مع الملف الفلسطيني منذ عقود.
لا يتسع المقام لتعداد دعم الإمارات للفلسطينيين، انطلاقاً من قواعد إنسانية وإسلامية وعروبية راسخة، ولا حاجة لبذل أي جهد في التذكير بتحركات الإمارات المساندة للشعب الفلسطيني وقضيته، وليس آخرها حشد المجتمع الدولي لدعم عضوية فلسطين الكاملة في الأمم المتحدة.
لم تركن الإمارات لتعقّد مسارات الحرب والتفاوض، وإن حذرت مراراً من نتائج ذلك، ولم يمنعها مانع من إدانة التصعيد من هذا الطرف أو ذاك. وفي كل وقتٍ، كان الإنسان الفلسطيني شاغل الإمارات، تحتضنه جريحاً أينما كان، وتغيثه في أرضه وخارجها ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، دفاعاً عن حقه المشروع في الحياة.
من يفعل ذلك يعنيه كل أيام الفلسطيني، وليس «اليوم التالي» كما يتصوره نتنياهو، ويعرف أن من يختاره الشعب الفلسطيني ممثلاً نزيهاً هو من يحق التعاون معه ودعمه، كالعادة، بما يطلب.
("الخليج") الإماراتية