قضايا العرب

هل تُعبّد أزمات الأقليم الطريق بين القاهرة وطهران؟

القاهرة - محمد خيال

المشاركة
هل تُعبّد أزمات الأقليم الطريق بين القاهرة وطهران؟

شهدت العقود الثلاث الأخيرة، محاولات عدة لاستعادة العلاقات المصرية الإيرانية المتجمدة منذ اندلاع الثورة الإسلامية بقيادة الخميني عام 1979، لكن لم يكتب لأي منها النجاح، إلا أن الشهور الماضية وفي ضوء ما يشهده الإقليم من تطورات منذ تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزّة، بدا أنّ القاهرة وطهران يسعيان إلى بذل جهود أكبر لتعزيز التقارب وإذابة الجليد.

اللقاءات التي جمعت مسؤولي البلدين خلال الفترة الأخيرة، فتحت الباب أمام سؤال ما إذا كانت الأجواء الراهنة والتطورات الإقليمية الحالية تمثل دافعًا نحو تطبيع العلاقات التي لم تراوح مربع القطيعة منذ نحو 40 عاما، أم أنها ستكون عاملًا ضاغطًا يؤدي إلى مزيد من الجمود وسط تهديد بعض حلفاء طهران وعلى رأسهم جماعة الحوثي في اليمن للمصالح المصرية المباشرة نتيجة الأعمال العسكرية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ما تسبب في خسارة قناة السويس ما يقرب من نصف إيراداتها والتي تُعد من المصادر الرئيسية للنقد الأجنبي للدولة التي تمر بأزمة اقتصادية كبرى؟ .

ثمّة تحولات على مستوى الإقليم، ساهمت في جسر الفجوة بين القاهرة وطهران خلال الفترة الماضية، ربما كان أبرزها ما شهده ملف العلاقات الإيرانية الخليجية من تطور لافت، لا سيما تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، ورفع مستوى العلاقات بين الأخيرة وأبو ظبي.

أدى ذلك إلى خلق أجواء مناسبة لخفض التصعيد بين إيران ودول المنطقة، ومن ثم فإن التقارب بين السعودية وإيران سيقلل أي معارضة من دول الخليج لقرار القاهرة تعزيز علاقاتها مع طهران، إذ طالما ظلت المخاوف الخليجية تجاه طهران معوقًا رئيسيًا أمام تطوير تلك العلاقات.

كما جاء انضمام مصر وإيران رسميًا مطلع العام الجاري لتجمّع الاقتصادات الناشئة "بريكس" ليعزّز فرص التقارب واحتماليات تطبيع العلاقات بين البلدين، وذلك ضمن التأثيرات الجيوسياسية لتوسيع ذلك التجمّع ليشمل مصر وإيران والمملكة العربية السعودية وإثيوبيا والإمارات.

تحوّل آخر ربما يلعب دورًا مهمًا في اتجاه التطور الإيجابي للعلاقات بين القاهرة وطهران، وهو المتمثل في توتر العلاقات المصرية الإسرائيلية، في أعقاب توسيع تل أبيب عمليتها العسكرية في قطاع غزّة لتشمل رفح، وتجاوزها للخطوط الحمراء المتمثلة في محور صلاح الدين "فيلادلفيا" المتاخم للحدود المصرية، وكذلك سيطرة الجيش الاسرائيلي على معبر رفح في محاولة لفرض سياسة الأمر الواقع، بالمخالفة لبنود اتفاقية "كامب ديفيد" الموقّعة بين الجانبين عام 1979، وملاحقها الأمنية خاصة المتعلقة بالمنطقة (د) في الجانب الفلسطيني.

ويكشف مسؤول إيراني رسمي تحدث لـ"عروبة 22" مفضلًا عدم ذكر اسمه، أن "الفترة الماضية شهدت بالفعل ما يمكن وصفه بتنسيق الجهود بين طهران والقاهرة على صعيد مجموعة من الملفات، والتي جاء في مقدمتها الأوضاع في البحر الأحمر والعمل على استعادة الهدوء لتخفيف حدة التداعيات على المجرى الملاحي لقناة السويس، واتصالات وتنسيق بشأن الأزمة في غزّة".

وأكد المصدر على أنّ "هناك فرصًا لمكاسب اقتصادية كبيرة للبلدين يمكن تحقيقها حال تم توسيع مساحات التعاون، كما يمكن استفادة مصر من الخبرات الإيرانية في بعض المجالات العسكرية مثل تصنيع "الدرونز" وهو ما قد يكون أحد ثمار التطبيع بين البلدين".

من جهته يكشف الخبير المصري في شؤون الأمن القومي، اللواء محمد عبد الواحد، أنّ "الفترة الماضية شهدت تقاربًا كبيرًا بين الجانبين المصري والإيراني خاصة على المستوى الاستخباري، معربًا عن قناعته بأنّ "التقارب بين القاهرة وطهران من شأنه أن يجنب المنطقة الدخول في صراع إقليمي واسع لما للبلدين من نفوذ كبير في محيطهما".

ويوضح عبد الواحد لـ"عروبة 22" أنّ "مصر بإمكانها أن تكون وسيطًا جيدًا بين إيران ودول الخليج، كما يمكنها أن تكون وسيطًا هاما بين طهران والغرب فيما يخص الملف النووي وملفات الخلاف الرئيسية".

أما على صعيد الوضع في البحر الأحمر، فيؤكد عبد الواحد أنّ "تطوير العلاقات بين القاهرة وطهران من شأنه أن يزيد من تحسين قنوات الاتصال بين مصر والحوثيين في اليمن، وهو ما يخفف من التداعيات السلبية للأعمال التي تنفذها الجماعة تجاه السفن التي تمر من باب المندب".

وبحسب خبير شؤون الأمن القومي نفسه، فإنّ مصر تسعى إلى تطوير علاقاتها مع محيطها الإقليمي لتعزيز قوتها وتواجدها في المنطقة، بما يشمل إيران وتركيا، معتبرًا أنّ القاهرة قادرة على "شد خيوط" العلاقات مع الدول بنسب متوازنة، كون التطورات الحالية تخدم هذا التوجه.

فرغم العقبات العديدة، والخلافات التاريخية، والقلق المصري من ردود الفعل الأمريكية والغربية، إلا أنّ تطورات المشهد الراهن قد تدفع القاهرة إلى استئناف مسار التطبيع مع طهران، بعدما أغلقت ملف الخلافات مع أنقرة.

(خاص "عروبة 22")

يتم التصفح الآن