عنوان الصراع الأهم في الشرق الأوسط هو القضية الفلسطينية التي تقترب أزمتها السياسية من عقدها الثامن، وذلك منذ أن أعلنت إسرائيل دولتها على الأرض الفلسطينية، ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم صار التنبؤ بالسلوك الإسرائيلي في المنطقة عملية معقدة في عالم لا يوجد فيه سلطة دولية مركزية ولا قيم حقيقية يمكن الاستناد إليها فيما يخص القضية الفلسطينية والصراع مع إسرائيل عربيا وشرق أوسطياً، ومن هنا فرضت نظرية واحدة في الشرق الأوسط تفسر هذا الصراع، حيث استحالة إنتاج مشروع سلام عربي إسرائيلي شرق أوسطي.
خلال الثمانين عاما الماضية اتخذت إسرائيل منهجا محدداً في علاقاتها الدولية يقوم على اللجوء الدائم للحرب لحل المشكلات الناتجة عن مطالبة الفلسطينيين بحقوقهم أو مطالبة العرب بحقوق الفلسطينيين، فما بين العام 1948م والعام 1982م خاضت إسرائيل خمس حروب رسمية مع العالم العربي، في مقابل عمليات سلام بدأت منذ العام 1967م وقرار الأمم المتحدة 242، واتفاقيات كامب ديفيد 1979م ، ومؤتمر مدريد 1991م، واتفاقية أوسلو 1993م، وكثير من المحادثات التي بلغت ما يقارب من أربع عشرة عملية سلام كلها لم تنجح في تغيير السلوك الإسرائيلي بجانب مسارات تطبيع شملت ست دول عربية.
في مسيرة السلام وبهدف إيقاف الصراع إلى الأبد قدمت المملكة مبادرة نصت على ضرورة انسحاب إسرائيل إلى حدود عام 67 والسماح بإقامة دولة فلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة وإيجاد "حل عادل" لقضية اللاجئين، وفي المقابل، تعترف الدول العربية بحق إسرائيل في الوجود، وكانت وما زالت هذه الفرصة مطروحة أمام إسرائيل وهو ما يتم تداوله اليوم تحت اسم حل الدولتين، ومع أن الكثير من التعديلات الطفيفة أدخلت على هذا المشروع إلا أن الدبلوماسية السعودية استطاعت وبحكم مكانتها العربية والدولية أن تجعل من هذا المشروع الخيار الوحيد والنهائي المتاح والحاسم لحل القضية الفلسطينية.
هنا يأتي السؤال: لماذ لا ترغب إسرائيل في تقديم السلام رغم كل هذه الفرص التي منحت لها من قبل العالم العربي والشرق الأوسط بأكمله؟ في الحقيقة أنه ليس من العدل النظر إلى السلوك الإسرائيلي في المنطقة دون فهم واضح لمنظومة المجتمع الدولي بأكمله، هناك توافق ظاهر ودعم مستميت من منظومات دولية سواء على شكل دول أو هيئات يصب لصالح إسرائيل دون اعتبارات أخرى للحق الفلسطيني، ويبدو أن استمراء إسرائيل خلف هذا الدعم الدولي يقودها إلى الحلم بأن يتحول العالم العربي والشرق الأوسط إلى داعم لها دون أن يتم تقديم حلول جذرية للشعب الفلسطيني.
لقد أصبح المجتمع الدولي مسؤولا وبشكل مباشر عن إنتاج إسرائيل غير القابلة للسلام، في مقابل أن العرب وخلال الثمانية عقود قدموا الكثير من التنازلات من أجل الحصول ولو على فكرة واحدة يمكنها أن تؤدي إلى السلام، الأعداد الهائلة التي قتلت في غزة من المدنيين عملية ضد الإنسانية بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، وما حدث بلا شك يرسخ لدى الشعوب العربية فكرة واحدة تقوم على أن مشاعر العرب ضد إسرائيل لم تتم محاولة إدخالها من باب السلام بل كلها تشكلت عبر صوت الحرب الذي اختارته إسرائيل على مدى عقود، أثبتت فيها إسرائيل أنها لم تكن تلك الدولة الباحثة عن سلام والمتصالحة مع محيطها بكل شفافية.
الرسالة التي يمكن لإسرائيل فهمها هي أن السلام بطبيعته يشكل واقعا مطلوبا تنفيذه على الأرض ويتوجب أن يلقى قبولا واضحا لدى الفكرة الصهيونية وروادها من السياسيين، حيث تسعى الصهيونية إلى بناء دولة تستمر في الحياة في منطقة الشرق الأوسط، وهذا لن يتحقق إلا باعتراف بحق أصحاب الأرض ومنحهم دولة، إسرائيل مطالبة بأن تؤمن وتعتقد بحق الفلسطينيين في الحياة وليس بكونهم غرباء في أرضهم وأنهم يهددون السلام تحت طلاء ناعم تقدمه إسرائيل للعام لكي تبرر أفعالها ضد الفلسطينيين، فهناك في المقابل نظرية تاريخية تؤكد أن استمرارية الحكومات التي تستخدم القوة في مساراتها لا تدوم طويلا، فالقوة وإن انتصرت إلا أنها تزرع نبتة المقاومة وحب الانتصار في الطرف الذي تتسلط عليه مهما كانت تفرط في هذه القوة.
الدول العربية وعلى رأسها المملكة قدمت مشروع سلام يقوم على حل الدولتين وهو الخطوة النهائية والفرصة الوحيدة المتبقية أمام إسرائيل لقبولها في منظومة الشرق الأوسط، وسيكون من الصعب على إسرائيل تخطي هذا المشروع فهو مشروع نهائي وحاسم، لأن إسرائيل تدرك أنه من المستحيل التنبؤ بالشكل الذي سوف تأخذه الحياة السياسية في المنطقة في المستقبل مع فرص التغير الدولي المتاحة.
("الرياض")